محمد حسین بهرام
از در 12 بهمن
0 💎 253 🧐 2 0 دیدگاه

ملخص البحث:
یمکننا بیان اتجاهات العقلیة عند المسلمین بذکر موقفهم فی باب العلاقة بین العقل و الشرع. ففی کل فرقة من الشیعة و العامة هناک اتجاهان: فی أهل العامۀ نری أن المعتزلة الذین یتقدمون العقل علی الشرع و وثقوا بمقدرته علی معرفة الله و ادراک الأشیاء و المفاضلة بین الأمور و أن الانسان قادر بعقله قبل ورود الشرع علی التمییز بین حسن الأشیاء و قبحها و علی التفریق بین الخیر و الشر و علی خلافهم الأشعریین...
و أما فی الشیعة هناک مذهبا الأصولیین و الإخباریین. فإن الأخباریین لایعترفون بدلیل شرعی و حجة معتبرة الهیة دون الأخبار و ما روی عن المعصومین علیهم السلام بمنزلة المخاطبین الأصلیین للقرآن قائلا: إن القطع المستند إلى الدليل العقلي ليس بحجة، كالملازمة العقلية بين وجوب الشي‏ء و وجوب مقدمته، و إنما الحجة هو القطع الحاصل من الشرع من الكتاب و السنة و یستدلون علی ذلک ببعض الروایات. و لکنّ الأصولیون فیثبتون حجیة العقل و بعضهم یدّعون الملازمة بین حکم القعل و حکم الشرع و یرفضون الأخباریین رفضا شدیدا. و هذه الورقۀ تلقی الضوء علی هذا النقاش مرتکزا علی رأی الأصولیین و ما یدعون فی حجیۀ العقل و عدّه من الأدلۀ الاربعۀ و أنه هل هؤولاء یفعلون ما یقولون؟ و ما هو نتاج هذه الفکرۀ فی فقههم و فتیاهم؟ و ما هی المیزۀ المایزۀ لهذا الرأی؟

الکلمات الرئیسیۀ:
حکم العقل، الأصولیون، الأخباریون، حجیۀ العقل، قاعدۀ الملازمۀ


مقدمة
    العقل میزة یتمیز به الإنسان عن سائر المخلوقات. خلق الله تعإلی الإنسان مفطورا بهذه القوة المائزة یقال لها القوة الناطقة و المفکِّرة. و کما أن العقل عیار الآدمیین و سبب فضلهم علی کثیر من المخلوقات فإنه معیار و میزان تکإلیفهم و مدار مسئولیتهم عند الله تعإلی أیضا. فقد ورد فی الأحادیث: «أول‏ ما خلق‏ اللّه‏ العقل‏»  و أنه «لَمَّا خَلَقَ‏ اللَّهُ‏ الْعَقْلَ‏، قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ، فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ، فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي‏ مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ‏، إِيَّاكَ آمُرُ، وَ إِيَّاكَ أَنْهى‏، وَ إِيَّاكَ أُثِيبُ، وَ إِيَّاكَ أُعَاقِبُ‏» .و أیضا عدّ العقل فی عداد حجج الله و عِدلاً للنبوۀ و الشریعۀ بوصفه حجة باطنة: «إِنَّ لِلَّهِ عَلَى‏ النَّاسِ‏ حُجَّتَيْنِ‏ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَ حُجَّةً بَاطِنَةً فَأمّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَ الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَئِمَّةُ ع وَ أمّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُول»‏  
    فی الحقیقة هذا ما نعتقده فی العقل بما نفهم من عقولنا و وفقا لما جاء فی مرویات العلماء و محدثینا عن المعصومینعلیهم السلام فی إطار العقیدة و علم الکلام. و لکنّ بإمکاننا أن نسأل انفسنا کیف نتعامل مع العقل فی حیاتنا العملیة؟ ما ذا یقولون علمائنا الأصولیون و الفقهاء فی العقل؟ و هل هم یلتزمون و یتداینون بهذه الفکرة و لوازمها فی ما یخصهم من البحث و الدراسة فی الفقه و أصول الفقه؟ و ما رأیهم فیما یدرکه العقل فی شتّی المجالات من الأحکام؟ ما هی منزلة العقل و دوره فی إستنباط الأحکام و تطبیقاتهم الفقهیة؟ کیف یواجهون العقل فی عملیتهم الإجتهادیة؟ و هل یعتبرون حکم العقل کدلیل شرعی و حجة الهی واقعا؟ ... 
حالیا و فی هذا المقال و المجال سنبحث بکل الإختصار عن منزلة العقل عند علمائنا الأصولیین و ندارس الموضوع مستندا علی آراء و اقوالهم فی کتبهم العلمیة و أفکارهم الأصولیة حسبما ندرس و نتعلّم فی حواضرنا و حوزاتنا العلمیة، فی عدة مسائل رئیسیة تتعلق بحکم العقل و دوره العملی لدی العلماء الأصولیین الذین یدّعون الملازمة بین حکم العقل و حکم الشرع... و قبله نتحدث عن فریق من علمائنا الذین انکروا حجیة العقل و قاعدة الملازمة تلک. تیار فکریّ منتم إلی محمد امین الاسترآبادی، ظهر فی القرن الحادی عشر و ساد حول مائتی سنة علی رؤوس مجامع العلمی الشیعی المسمی بالأخباریین و أخیرا قضی علیهم بید الأصولیین المبرزین مثل العلامة وحید البهبهانی و انتهض الإجتهاد من جدید... نسأل الله تعإلی التوفیق و السداد و أن ینفعنا بما علّمنا و یعلّمنا ما ینفعنا.
1.    العقل و الوحی
من المسائل الشایعۀ بل من الأمثال السائرۀ الیوم عند علماء العصر الراهن، نسبۀ العقل و الوحی و کیفیۀ العلاقۀ بینهما. و الأفکار تتراوح بین العقلانیۀ الإلحادیۀ المنکرۀ ما لا یتلائم عقلانیتهم المحددۀ و الإیمانیۀ التی لا تری تثنیۀ بینهما و یقرّر بملازمتهما وجودا و حکما بأنه کل ما حکم به العقل حکم به الشرع و علی العکس! کما أنه هناک فکرۀ أخری یرفض کلیهما؛ فإنهم لیسوا ملحدین و منکری الإیمان بالمعنویۀ و الروحیات، کما أنهم لایعتمدون علی العقل و شرعیته أیضا. إنهم یفصلون بین العقل و الوحی و «لعل أخطر تطور مأساوي في التاريخ الفكري للأمة كان هو القول بأن كلا من "الوحي" و "العقل" غريب عن الآخر. ولقد كان ظهور المنطق اليوناني وتأثيره على بعض المسلمين، الذين كانوا حريصين كل الحرص على استخدام أساليبه لإقناع غير المسلمين بحقائق الإسلام هو الذي وضعهم على بداية الطريق التي انتهت بهم إلى مثل هذا القول. إن النصارى واليهود الذين تأثروا بالثقافة الهللينية قد عاشوا قرونا تحت ظل هذه الثنائية؛ وكثيرون منهم نقلوها معهم إلى "الأمة" عندما أسلموا ، وكان الفارابي هو الذي أعطاها صيغتها التقليدية التي انتصر لها الفلاسفة ضد "المتكلمين". وقد قبلها بعض متأخري "المتكلمين" ممن كان يرضيهم أن يشرحوا العقيدة في تحديد ووضوح. ثم أصبحت سائدة في مجال المجادلات الفكرية في عصر الانحطاط، خاصة في ظل تأثير "التصوف" الذي دعا إلى منهجية قائمة على أساس حدسي خالص، أو خفي غالبا، ومن هنا لم تجد بأسا في القول بهذه الغربة بين العقل والوحي» .
2.    لأخباریون/ المحدثون
البحث عن الأخباریین یتعلّق بتأریخ علم الأصول و تطوّر الفکر الأصولی من جهة و إتجاهات مختلفة من العلماء أمّامها و رؤیهم فی حکم العقل و أدلّتهم علی إعتبار أو عدم إعتباره من جانب آخر.  و ینبغی قبل الخوض فی تأریخ المحدثین أن نذکر مقدمة و هی تأثّر فقهنا و فقهائنا الاعاظم فی کتبهم الأصولیة تأثرا سلبیا عن أصول الفقه العامة و ما کتبوه فی الباب بما أن لهم فضل السباق فی الکتابة و تدوین علم الأصول کما قیل.
هذا ممّا لا یمکننا إخفائه. صحیح أن الفقه نشأ فی حضن الحدیث کما قال علی الصفایی: یمکننا أن نُریکم کیف تولّد علما الفقه و الأصول فی ظلّ الحدیث و تحت حضانته و کیف نشأ و نما الأصول موازیا مع الفقه و نضج قوائمه و تشیّد ارکانه حتی إستوی علی سوقه و إستقلّ.  إحتاج الحدیث بالفقه و التطبیق[علی المصادیق الخارجیة] و إحتاج الفقه بالأصول کی تجلّی ادلّة الأحکام و تصفوه من الشوائب و تجعلَها فی متناول ایدینا ، و لکنّه من الواضحات أیضا أن کتبنا الأصولیة و ما یبحث فیها، کثیرا ماّ أقتبست عن الکتب العامة الأصولیة و ما بحثوا حولهم علی منهجهم الخاصة فی فقههم و حدیثهم. و ها هم أصولیونا الشیعة الذین اتّبعوهم فی تحقیق الموضوعات و تقلّدوا عنهم فی طرح مسائل العلم و ترتیب قائمة الابحاث و هکذا إتّبع الخلفَ السلفُ و حتی الآن بالأسف لم ینقّح و لم ینقّی أصولنا من زوائد و لاطائلات کثیرون و کان الطوسی رحمه الله أول من فتح الباب بکتابه فتابعه المتأخرون... 
نموذج من مقارنة کتاب شیخ الطائفة الطوسی رحمه الله مع کتاب أصولی من العامة متعاصرله 
یقول الصفایی: لو انبسط فقه و أصول الشیعی انبساطا طبیعیا فی زمن السید المرتضی و الشیخ الطوسی، لما توقف بعد الشیخ طوال مائة سنة راکدا إلی زمن ابن إدریس و السید مکارم ابن زهرة. و لم یسر سیرته الطبیعیة حتی ظهور حرکات شیعیة بعد ضعف و زوال حکومة العباسیین. هذا هو الشیخ الطوسی فی کتابیه المبسوط و العدة و [قبله ابن جنید] کان متأثرا من اجتهاد و رأی العامه و فی صراع شدید معهم و لم یکن وفق الحاجة و لم ینحدر عن جذور قویة متینة .
و أردنا من بیان هذه المقدمة و الامثلة التنبه إلی أنّ حرکة الأخباریین و تیّار هم الفکریة لم تکن إلا ردّة فعل معاکسی عنهم علی علمائنا الأصولیین، کما صرح به الشهید الصدر: «سبق السنّة تأريخياً إلى‏ البحث الأصولي و التصنيف الموسَّع فيه، فقد أكسب هذا علم الأصول إطاراً سنّياً في نظر هؤلاء الثائرين عليه، فأخذوا ينظرون إليه بوصفه نتاجاً للمذهب السنّي»‏ . فإنهم عدلوا عن ادلة الاربعة ای الکتاب و السنة و الاجماع و العقل، إلی الکتب الاربعة الحدیثیة أعنی«الکافی»، «من لایحضره الفقیه»، «التهذیب» و «الإستبصار» و إستخلفوا الأخبار و الروایات بدلا عن الکلّ. و السّبب المهمّ فی ذلک إفراط الأصولیین فی جانب العقل: «إنّ تمادي جملة من الفقهاء الأصوليين في الاتجاه العقلي كان من الطبيعي أن يولّد ردّة فعل عند جملة آخرين. و تجلّت ردّة الفعل هذه في التمادي في قبول الأخبار و الاعتماد عليها بشكل كبير، و تقليص دائرة التعقل- أو عدم فسح المجال للعقل- في مجال الاستنباط ما دامت النصوص الموجودة بأيدينا متوفرة على كثير ممّا يحتاجه الانسان في الحياة» . طبعا هذا لیس کل الدلیل و لکنه من أهمّ الدلائل و العلل...
2.1.    الأخباریین فی حکم العقل
أشیر إلی أن المناط فی تقسیم علمائنا بالأخباریین و الأصولین هو اختلاف آرائهم تجاه حکم العقل، کما أن الموضوع تسبب جدلا کبیرا بین علماء المسلمین باجمعهم و جاء منه الاشاعرة و المعتزلة و غیرهما. المشهور أن ادلة الأحکام الشرعیة اربعة: الکتاب و السنة و الإجماع و حکم/ دلیل العقل. و نسب إلی الأخباریین أنهم ینکرون البعض و لا یعدونه من الأدلة: «نجد الأصوليّين عدّوا العقل واحدا من أدلّة الأحكام على غرار الكتاب الكريم، و السنّة الشريفة، و الإجماع، و استندوا عليه، و في قبالهم كانت مصادر الأحكام عند الأخباريين‏ منحصرة في الكتاب و السنّة، و لم يكن للعقل أيّ اعتبار في فعليّة الأحكام الشرعيّة، و هذا صريح كلام المحدّث الاسترابادي في‏ «الفوائد المدنيّة»؛ حيث يقول: «أنّ مناط تعلّق التكاليف كلّها السماع من الشارع» 
و هو علی مذهب قدماء الأخباریین کما صرح به من إستغنائهم عن الإجتهاد و حصر العلم بالأحکام بالسماع عن الصادقین: «فائدة الصواب عندي مذهب قدمائنا الأخباريّين و طريقتهم، أمّا مذهبهم فهو أنّ كلّ ما تحتاج إليه الامّة إلى يوم القيامة عليه دلالة قطعية من قبله تعالى حتّى أرش الخدش، و أنّ كثيرا ممّا جاء به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الأحكام و ممّا يتعلّق بكتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله من نسخ و تقييد و تخصيص و تأويل مخزون عند العترة الطاهرة عليهم السّلام و أنّ القرآن في الأكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية، و كذلك كثير من السنن النبوية صلّى اللّه عليه و آله. و أنّه لا سبيل لنا فيما لا نعلمه من الأحكام الشرعية النظرية أصلية كانت أو فرعية إلّا السماع من الصادقين عليهم السّلام. و أنّه لا يجوز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر كتاب اللّه و لا من ظواهر السنن النبوية ما لم يعلم أحوالهما من جهة أهل الذكر عليهم السّلام بل يجب التوقّف و الاحتياط فيهما، و أنّ المجتهد في نفس أحكامه تعالى إن أخطأ كذب على اللّه تعالى و افترى و إن أصاب لم يؤجر، و أنّه لا يجوز القضاء و لا الافتاء إلّا بقطع و يقين و مع فقده يجب التوقّف» 
. فإنهم لایعتنون بحکم العقل و لایعبئول به و إن کان قطعیا«إن القطع المستند إلى الدليل العقلي ليس بحجة، كالملازمة العقلية بين وجوب الشي‏ء و وجوب مقدمته، و إنما الحجة هو القطع الحاصل من الشرع من الكتاب و السنة، و دليلهم على ذلك هو روايات كثيرة تنهى عن الأخذ بالعقل»‏  و قیل أن الإخباریین یرفضون الکتاب أیضا و یقولون لسنا من یعرف القرآن و إنما یعرف القرآن من خوطب به و هم اهل البیت علیهم السلام و لابدّ لنا من العمل بالأخبار دون غیره...
حقا لایعقل لاحد أن ینکر العقل بتمامه و لکنّ هذا ما نسب إلی الأخباریین و لم یزل یستفیده الأعلام المعروفون بالأصولیین کمطرقة و وسیلة لتدمیرهم: «إنكار العقل و شجبه الذي وجد داخل نطاق الفكر الأمّامي فقد تمثّل في جماعةٍ من علمائنا اتّخذوا اسم «الأخباريّين و المحدّثين»، و قاوموا دور العقل في مختلف الميادين، ودعوا إلى الاقتصار على البيان الشرعي فقط؛ لأنّ العقل عرضة للخطإ، و تأريخ الفكر العقلي زاخر بالأخطاء، فلا يصلح لكي يستعمل أداةَ إثباتٍ في أيّ مجالٍ من المجالات الدينية»...  
2.2.    نظرۀ أخری للتیار الأخباری
و المناسب أن نختم الکلام فی الأخباریین برؤیۀ أخری تبیینا لإتجاههم الفکریۀ حول القرآن و هذه ما یعلم من تحلیل نشاطاتهم الفکریۀ و العملیۀ فی المجتمع الشیعی الإمامی. یقول المطهری: لو نحاول معرفۀ روح الأخباریۀ و أساسها، یتبین أنها الجمود و الرکود. یعنی أنهم لایسمحون الإجتهاد و إظهار الرأی و التفکر و النقد و التحلیل وقایۀ عن التدخل العقل فی الدین. فیقولون لایمکننا فهم القرآن و لا یجوز لنا الرجوع إلیه و التمسک به مباشرۀ لأنه خاصۀ الأئمۀ المعصومین و علینا الرجوع بأخبارهم .
إن من أبرز نتایج فکرۀ الأخباریۀ و تحمسهم الشدید علی المرویات خصوصا حصرهم بالسماع عن الصادقین علیهم السلام هی بطلان حجیۀ القرآن و مهجوریته فی الأجواء العلمیۀ و علماء الحوزۀ و مجانبۀ المجتمع عنه إما بإدعاء تقدیسه کما نری فی موجۀ الأول من نهوض هذه الفکرۀ و إما بإدعاء تحریفه کما شاهدنا فی نهضتهم الفکریۀ الأخیرۀ. لعلّ هذا التمحور لعلمی الفقه و الأصول فی حوزاتنا العلمیۀ و نسبۀ واحد بالعشرۀ فی دراساتهم القرآنیۀ کالتفسیر و إشتغالهم بکتب الشیخ الأنصاری و الآخوند الهروی مثلا و تدریسها مرارا و کرارا فی عدۀ مراحل(السطح و الخارج)أکثر و أبسط من إهتمامهم بتدریس کتاب الله و کتاب الإمام علی(نهج البلاغۀ) نشأ عن هذه الفکرۀ السخیفۀ حقا...
ففی الموجۀ الأولی کان المحدث محمد أمین الأسترآبادی(المتوفی1036ه ) یقول إنما نحن کبشر عادی غیر معصوم لانستطیع فهم القرآن و معرفة مراداته و العلم بدلالاته لأنه«إِنَّمَا يَعْرِفُ الْقُرْآنَ مَنْ‏ خُوطِبَ‏ بِه»‏  و نحن عامة الناس لسنا مخاطبی القرآن و أیضا بأدلۀ أخری عندهم... و أما الموجة الثانیة فکانت فجیعة و خطیرة جدا. نشأت فی القرن الرابع عشر و تربت و نمت بید المحدث میرزا حسین النوری(المتوفی 1320ه) فی کتابه «فصل الخطاب فی تحریف کتاب رب الارباب». 
حسبنا فی بیان خطورۀ هذه الفکرۀ و فسادها کلام الإمام الخمینی حیث یقول: «و أزيدك توضيحا: أنّه لو كان الأمر كما توهّم صاحب فصل‏ الخطاب‏ الّذي كان كتبه لا يفيد علما و لا عملا، و إنّما هو إيراد روايات ضعاف أعرض عنها الأصحاب، و تنزه عنها أولوا الألباب من قدماء أصحابنا كالمحمّدين الثلاثة المتقدّمين رحمهم اللَّه.
هذا حال كتب روايته غالباً كالمستدرك، و لا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص و الحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجدّ، و هو- رحمه اللّه- شخص صالح متتبّع، إلّا أنّ اشتياقه لجمع الضعاف و الغرائب و العجائب و ما لا يقبلها العقل السليم و الرّأي المستقيم، أكثر من الكلام النافع، و العجب من معاصريه من أهل اليقظة! كيف ذهلوا و غفلوا حتّى وقع ما وقع ممّا بكت عليه السماوات، و كادت تتدكدك على الأرض؟!» 
نرجو أن تکون هذه الموجۀ، الرمق الأخیر لفکرۀ الأخباریۀ المذهلۀ المخوفۀ و إن لا نقدر إنکار تأثیرهم الفکریۀ علی طقس الحوزۀ العلمیۀ و مؤسسات الدینیۀ حتی الآن و فی کل مکان. و هذا السؤال لایزال قائما و باقیا: هل للأصولیین رأی جدید و سعی مائز و إجتهاد متمایز عن الأخباریین فی فتیاهم و استنباطهم الأحکام الشرعیة من ادلتهم الأربعة؟ و ما هو دور العقل عندهم؟ هذا ما سنوضّحه فی الابحاث التإلیة إن شاء الله.
3.    رأی الأصولیین فی حکم العقل
3.1.    الأصولیون المتقدمون
أحیانا نتحدّث عن شیء کثیرا ولکنّ اذا دقّقنا فی واقعه و جاوزنا الکلام، لانری شیئا فی الخارج أو نری ما فی الواقع و الخارج غیر مطابق بالأقوال. و قریب من هذا حال حکم العقل و الدلیل العقلی فی علم أصول الفقه و لدی علمائنا الأصولیین. فإن موقفهم العملی تجاه حکم العقل و الدلیل العقلی، لیس واضحا و مبینا علی عکس إفتراضاتهم العلمی؛ سواء المتقدّمین منهم و المتأخرین. 
 یقول العلّامة المظفرفی کتابه الأصولی: «فإنّه لم‏ يظهر لي‏ بالضبط ما كان يقصد المتقدّمون من علمائنا بالدليل العقلي، حتّى أنّ الكثير منهم لم يذكره من الأدلّة، أو لم يفسّره، أو فسّره بما لا يصلح أن يكون دليلًا في قبال الكتاب و السنّة» . ثم یتذکر العلامة نبذة من تأریخ هذه الفکرة و یحکی عن المفيد- المتوفّى سنة 413- و رسالته الأصوليّة و أنّه لم يذكر الدليل العقلي من جملة أدلّة الأحكام الاربعة و  بعده عن تلميذه الشيخ الطوسي- المتوفّى سنة 460- و كتابه (العُدّة) الّذي هو أوّل كتابٍ مبسَّطٍ في الأصول، فإنه أیضا لم يصرّح بالدليل العقلي، فضلًا عن أن يشرحه أو يفرد له بحثاً. و یقول: 
«أوّل من وجدته من الأصوليّين يصرّح بالدليل العقلي الشيخ ابن إدريس- المتوفّى 598- فی کتابه السرائر و هو یقول: فإذا فقدت الثلاثة- يعني الكتاب و السنّة و الإجماع- فالمعتمد عند المحقّقين التمسّك بدليل العقل فيها. و لكنّه لم يذكر المراد منه. 
ثمّ يأتي المحقّق الحلّي- المتوفّى 676- فيشرح المراد منه فيقول في كتابه «المعتبر» بما ملخّصه: و أمّا الدليل العقلي فقسمان: أحدهما ما يتوقّف فيه على الخطاب، و هو ثلاثة: لحن الخطاب، و فحوى الخطاب، و دليل الخطاب. و ثانيهما ما ينفرد العقل بالدلالة عليه‏. و يحصره في وجوه الحسن و القبح. و يزيد عليه الشهيد الأوّل- المتوفّى 786- في مقدّمة كتابه (الذكرى) فيجعل القسم الأوّل ما يشمل الأنواع الثلاثة الّتي ذكرها المحقّق، و ثلاثة اخرى و هي: مقدّمة الواجب، و مسألة الضدّ، و أصل الإباحة في المنافع و الحرمة في المضارّ. و يجعل القسم الثاني ما يشمل ما ذكره المحقّق، و أربعة اخرى و هي: البراءة الأصليّة، و ما لا دليل عليه، و الأخذ بالأقلّ عند الترديد بينه و بين الاكثر، و الاستصحاب‏. و هكذا ينهج هذا النهج جماعة آخرون من المؤلّفين، في حين أنّ الكتب الدراسيّة المتداولة- مثل المعالم و الرسائل و الكفاية- لم تبحث هذا الموضوع و لم تعرّف الدليلَ العقلي. و لم تذكر مصاديقه، إلّا إشارات عابرة في ثنايا الكلام». 
یری العلامة المظفر أن هذا المنهج مازال سائدا و متّبعا «حتّى مثل المحقّق القمّي- المتوفّى سنة 1231- نسق على مثل هذا التفسير و لم یعدّ العقل دلیلا مستقلا فی قبال الکتاب و السنة و کلما قیل فی هذا الباب خلط البحث العقلی و النقلی و عدم وضوح المقصود من الدليل العقلي، کمانری فی نص عبارة الشيخ المحدّث البحراني في حدائقه: المقام الثالث في دليل العقل، و فسّره بعض بالبراءة و الاستصحاب، و آخرون قصّروه على الثاني، و ثالث فسّره بلحن الخطاب و فحوى الخطاب و دليل الخطاب، و رابع بعد البراءة الأصليّة و الاستصحاب بالتلازم بين الحكمين المندرج فيه مقدّمة الواجب  ... نستنتج من کلامه أنّ الأصولیین الأقدمین لم یتجاوزوا مسلک الأخباریین إلّا فی دعواهم اللّسانیة و لم یعتنوا بالعقل حقّه...


4.    الأصولیون المتأخرون
تبین مما ذکر أن المتقدمین لم یهتموا بالعقل إهتمأمّا بالغا و إن کان فیهم علماء عرّف و أُشتهر بتفریع قواعد الإستنباط و تفصیل الإجتهاد کابن ابی عقیل العمانی و ابن جنید الإسکافی الملقبین ب«قدیمین» اللذَین لم یکتفا بالفروع المنصوصة و حاولا فی الأمر جدّا و جیدا حتی أتهم الإسکافی بالإجتهاد بالرأی و العمل بالقیاس و لکنّ الغالب منهم لم یعتنوا بالعقل و مرّوا علیها مرور الکرام بکل الإختصار و الإجمال. و أمّا المتأخرون فهم مختلفون فی ذلک. فبعض تبع القدماء و بعض تبع الشیخ[الانصاری] و بعض تبع المحقق الأصفهانی ... 
الرحیمی یقول: نری الشیخ فی «مطارح الأنظار» یبحث فی العقل ضمن 110 صفحة و یبدأ بتعریف الدلیل العقلي: بأنّه «حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي».  فیعدّه من منابع و أدلّة الاحکام و یشرح الأقوال و الآراء حوله مبسوطا کما هو دأبه فی الأبحاث و لکنا لن نریه فی الفقه یستفید عن دلیل العقل[فی المکاسب مثلا] بل یسلک مسلک الجمهور و لم یعط العقل منزلته الحقیقیة کما یدعیه فی الأصول. 
و أمّا المحقق الأصفهانی فتبعه العلامة المظفر، قد زادا الطین بلّة: «ایشان در واقع دلیل عقل را از حجیت انداخته اند... » لما انحصرا حجیة العقل العملی فی الآراء المحمودة و قضایا التی یقبلها الجمیع و لا یعتبران حکم العقل حجة إلا بعد إذعان جمیع العقلاء علی حکمه و عندهما: «المفروض انّه(حکم العقل) ممّا لا يختصّ به عاقل دون عاقل و انّه بادئ رأى الجميع لعموم مصلحته، و الشارع من العقلاء بل رئيس العقلاء، فهو بما هو عاقل كسائر العقلاء و إلّا لزم الخلف من كونه بادئ رأى الجميع، فالعدل بما هو عدل حسن عند جميع العقلاء و منهم الشّارع، و الظّلم بما هو ظلم قبيح عندهم و منهم الشّارع». 
أمّا العلامة المظفر و إن لم یوافق أستاذه فی هذا القول و لم یقل بثنائیة الحکم و إفتراق بین الحکم العقل و الشرع و یری الأول نفس الثانی و عینه بقوله: «و الحق أن الالتزام بالتحسين و التقبيح العقليين هو نفس الالتزام بتحسين الشارع و تقبيحه وفقا لحكم العقلاء لأنه من جملتهم لا أنهما شيئان أحدهما يلزم الآخر و إن توهم ذلك بعضهم».‏  
فهو اولا- لم یتجاوز عن الآراء المحمودة فی ذلک. ثانیا- لم یبق ملتزما برأیه هذا(النفسیة و العینیة بین الحکمین) و ینفی ملازمة حکم العقل و حکم الشرع فی مقدمة الواجب حیث یدعی عدم وجوبها شرعا‏  و کان علیه القول بشرعیة وجوب مقدمة الواجب ولکنه یقول لیس لمقدمة الواجب وجوبین(عقلی و شرعی) بل الواجب عند الله تعإلی واحد یدرکه العقل . و سنبیّن أکثر فی البحث عن القاعدة الملازمة...
و علی کل حال، إنما المراد من العقل فی کلمات الأصولیون المعاصرین هو ادراکه و کشفه عن الحکم الشرعی أمّا ابتدائا أو باستخدام قاعدة الملازمة أعنی كلّما حكم به العقل، حكم به الشّرع . کما أنه حجت الکوه کمری أیضا یعدّ حکم العقل هنا حجة، تقع واسطة في استنباط الأحكام الشرعية علی أنه کاشف عن حکم الشرع بنفس الملازمة : «الرابعة» «قاعدة الملازمة» بين حكم العقل و الشرع، فيستكشف من وجود المتلازمين اعنى حكم العقل وجود أحد الملازم الأخر أعني حكم الشرع و هي ثابتة بحسب جملة من الروايات و موردها سلسلة علل الاحكام دون سلسلة معلولاتها فان الملازمة بين الحكم فيها يوجب التسلسل .
5.    ما هو معنی حجیة العقل؟
قد علمنا أن العقل کاشف عن حکم الشرع و هذا هو معنی حجیة العقل. فإن العقل من الأدلة الأربعة و النازل منزلة القرآن الکریم و سنة الرسول و ائمة المعصومینعلیهم السلام. و عندئذ أسّس الأصولیون قاعدة کلیة المسماة بالملازمة: «کلما حکم به العقل حکم به الشرع و کلما حکم به الشرع حکم به العقل». 
لنری معنی حجیة العقل تفصیلا نسشتهد بکلام« أکبر نجاد» فی کتابه«کلام فقاهی»[بالفارسیة]: عندما خلقَنا الله تبارک و تعإلی و أعطانا قوة التفکیر و العقل لنتعرّف بحقایق الاشیاء فی الخارج و نعرفها بالتعقّل و التفکّر، فمن البدیهی أن یعتبر هذا الادراک و المعقولات ذاقیمة معرفیة و هذا هو معنی قولنا«العقل حجّة ذاتا و ضرورتا». إذ لیس العقل إلا ما یتدارک به الواقع. و نیل الواقع هو الکاشفیة و الحجیة نفسها. فالعقل کاشف عن الواقع و دلیل إلیه و لایمکننا الإفتراق بینهما کما هو حال ملاحة الملح و دسومة الدهن. فیکون العقل من هذه الجهة مثیل العلم، لایکون العلم علما إلا أن یُرینا الواقع و إلا فعنوان الجهل أنسب له. و لکن لیس معنی هذا القول؛ حجیة کل ما یُدرکه العقل. فإنه قد یخطأ من دون شک. لهذا یجوز للشارع أن یحدّد حجیة العقل، بل لابدّ منه بعض الأحیان، کما یکون مسموحا له التصرّف فی علم الإنسان بأن یحدّد لهم بعض الطرق لتحصیله، حسب إقتضاء الربوبیة[و حکمته تعإلی] للعباد.
    إنما معنی حجیة العقل، هو مشروعیة مدرکاته کالنقل(القرآن و السنة). فحینما نقول: الوحی حجة؛ نعنی أن الوحی دلیل علی ما عندالله من الحکم و کاشف عنه و هکذا حجیة قول المعصوم یعنی کاشفیته عن حکم الله تعإلی و إرادته التشریعیة. فکما أن الوحی کاشف عن إرادة الله و حکمه، کان العقل أیضا کاشف عن إرادة الله و حکمه. کما جاء فی روایة أخری«ألعقل‏ رسول‏ الحقّ».  و مخبر عن الحق جلّ و علا کما أن جبرئیل رسوله و مخبر عنه. فقد تبین من ذلک أن ما إرتکبه البعض من تقسیم الأحکام إلی عقلی و شرعی؛ خبط مخالف للنص. فإن حکم الشرع واحد و طریق إثباته النقل أو العقل .
و یناسب ان نتذکر أن الکوه کمری کما حکینا عنه سابقا یری حجیة حکم العقل هذا بالنقل: «يستكشف من وجود المتلازمين اعنى حكم العقل وجود أحد الملازم الأخر أعني حكم الشرع و هي ثابتة بحسب جملة من الروايات... .
6.    مجال حجیة حکم العقل
هناک أخبار کثیرة فی باب العقل و قد اوردنا البعض فی المقدمة فلا نتکرره و لا نتحدّث حوله أکثر، لأن المسأله واضحة تماما. فقد أصبح القول بحجیة العقل و الدلیل او الحکم العقلی ضروریا بحیث لا أحد ینکره علمیا و لیس من آراء الأخباریین أثر و لا خبر هذه الأیام و إنما الکلام فی مجال حجیة حکم العقل. هل هو حجة مطلقا أم محدّد بحدود و فی کلتا الحالتین لما ذا؟ و نعقّد هذا البحث مقدمة لقاعدة الملازمة. 
فی البدایة نتذکر أن إدراکات العفل کثیرة متعلقة بشتی المجالات و لکن ما یبحث عنه فی الأصول وجه خاص منها فقد «عرِّف الدليل العقلي[الأصولی ب] ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى حكم شرعي. و لا يذهب عليك أنّ الدليل العقلي أوسع ممّا عرّف به، فإنّ البراهين الكلامية أو الفلسفية أو الرياضية التي تقام على أُمور عقلية بحتة كحدوث العالم، و حاجة الممكن إلى الواجب، أو مساواة زوايا المثلث مع زاويتين قائمتين، كلّها حجج عقلية، و مع ذلك لا يدخل في التعريف. و ما ذاك إلّا لأنّ الأصولي يطلب من التعريف ما يناسب هدفه و مرماه، فهو لا يطلب من الدليل العقلي إلّا الوصول إلى الأحكام الشرعيّة، لا إلى مسائل تكوينيّة أو رياضية و هندسية، فلأجل ذلك اختصّ الدليل العقلي عنده بما يوصله إلى الحكم الشرعي .
فقد قیل أن« حجّية حكم العقل في المجالين:
1. مجال التحسين والتقبيح ويسمّى بالملازمات المستقلة.
2. مجال الملازمات غير المستقلة.
لأنّ إدراك الموضوع والحكم في الأوّل، راجع إلى العقل ولا يستعين في حكمه بالشرع، بل يدرك الموضوع ويصدر الحكم، كقولنا: العدل حسن والظلم قبيح. بخلاف القسم الثاني، فانّه في حكمه يستعين بالشرع، فإنّ الشارع هو المعيّن للموضوع، مثلًا يقول: إنّ الوضوء مقدمة للواجب، والعقل يُصدر الحكم ويقول مقدمة الواجب واجب . سیوضح الموضوع فی الأبحاث الآتیه اکثر...
7.    المستقلات العقلیة و غیر المستقلات العقلیة
هناک من لایری للعقل إلا الکشف و یقول أنه «يراد من حجّيّة العقل كونه كاشفاً لا مشرّعاً، فإنّ العقل حسب المعايير الّتي يقف عليها، يقطع بأنّ الحكم عند اللّه سبحانه هو ما أدركه، و أين هذا من التشريع أو من التحكُّم و التحتم على اللّه سبحانه، فلو حكم بأنّ العقاب بلا بيان قبيح، فليس معناه: أنّه يحكم على اللّه سبحانه بأن لا يُعذّب الجاهلَ غير المقصّر، بل المراد: أنّ العقل من خلال التدبّر في صفاته سبحانه- أعني: العدل و الحكمة- يستكشف أنّ لازم ذينك الوصفين الثابتين للّه سبحانه، هو عدم عقاب الجاهل».  و هذا ما یسمی بالإیجاب الإستکشافی، مقابل الإیجاب المولوی .
لنعلم أن الکلام حول التحسین و التقبیح العقلیین و ما أدی إلیه من البحث حول ملازمة حکم العقل و الشرع تنحدر جزوره إلی علم الکلام و کان علماء الکلام(المتکلمین) اول الباحثین عنه ثم تزح‍‍َ‍ف إلی حوزة علمی الأصول و الفقه  یقول الشیخ الزنجانی«إن الإعتقاد بکاشفیة العقل عن حکم الشارع، فرع الإعتقاد بأنه توجد عند کل مجتمع عدة أصول ثابتة یوصفها العقل بالحسن و القبح و أی من العقلاء و فی أی مصر و عصر لو تبیت له المسألة یحکمون بحکم واحد من حسنها أو قبحها و هذا الإتفاق منهم یدل علی إن الشارع یحکم بحکمهم أیضا. و بعبارة أخری أدق؛ وفاق حکم العقلاء کاشف عن صحة حکمهم و انطباقه مع الحکم الشارع... و لعلماء المسلمین فی الموضوع ثلاتة آراء:
1.    الأشاعرة: لایعترفون بالحسن و القبح العقلیین و یعتقدون أنهما منوط بحکم الشارع و لاشیء أو فعل نتصفه بالحسن و القبح ذاتا و لایمکن العقلاء الکشف عن تلک الصفة.
2.    الماتریدیة: یحکمون بذاتیة الحسن و القبح للأشیاء و لکن من دون ملازمة بین حکم الشرع و حکم العقل و تبعهم من الشیعة الأخباریون بأسرهم و صاحب الفصول من الأصولیین.
المعتزلة و الإمامیة: یعتقدون الحسن و القبح الذاتی و العقلی للأشیاء و الأفعال و یرون إتفاق حکم العقلاء علی ذلک کاشفا عن الحکم الشارع بالنسبة إلیهما(الأشیاء و الافعال). فمن المعتزلة من یفرطون فی العقل و لکن یبدو أن علمائنا الشیعیة لیسوا مجمعین علی المسألة فکثیر من الأساتذة الأصولیین سکتوا فیها و هذا مشعر بعدم اعتقادهم بالملازمة بین حکم العقل و حکم الشرع .
و كيفما كان، فالّذي يصلح أن يكون مراداً من الدليل العقلي المقابل للكتاب و السنّة هو: «كلّ حكمٍ للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي» و بعبارة ثانية هو: «كلّ قضيّةٍ عقلية يتوصّل بها إلى العلم القطعي بالحكم الشرعي». و قد صرّح بهذا المعنى جماعة من المحقّقين المتأخّرين‏ . کما یقول العلامة المظفر: «هذا أمر طبيعي، لأنّه إذا كان الدليل العقلي مقابلًا للكتاب و السنّة لا بدّ ألّا يعتبر حجّة إلّا إذا كان موجباً للقطع الّذي هو حجة بذاته؛ فلذلك لا يصحّ أن يكون شاملًا للظنون و ما لا يصلح للقطع بالحكم من المقدّمات العقليّة .
إلی هنا تبیّن أن الأحکام العقلیة المتعلقة بالشرع نوعان: 
1)    قطعی و هو حجة ذاتا و دلیل الحکم شرعا مستقلا کان ام غیر مستقل 
2)    ظنّی و فیه ابحاث عدیدة فی علم الأصول و لکنه لایهمنا البحث عنه فی هذا المقال لأنه خارج عن إطار بحثنا الحالی.
و هکذا یصیر العقل حجة و دلیلا یستنبط منه الفقیه الاحکام الشرعیة و هذا ما یعبّر عنه الأصولی ب«قاعدة الملازمة» و فیها ابحاث مبسوطة و طویلة سوف نشیر بعدة زوایاها إن شاء الله.
8.    قاعدة الملازمة بین حکم العقل و حکم الشرع
قد ذکرنا أن کتب الفقه و الأصول عند علمائنا، تألفت تحت ضغوظ من العامّة و ضدا أو ردّة فعل عکسا لهم فتأثروا بالطبع عنهم. فإنّ العامّة کانوا یتّهمون الشّیعة بالمحدودیّة و الضّعف و عدم توسّع العلمی مستندا علی الحدیث؛ فقد حاول علمائنا مسعی جدید و توُلّد «المبسوط» و «الخلاف»(للشیخ الطوسی) مکتشفا عن استحکام الفقه الشیعی و ثرائه و هذا المجال و المنافسة شوّه فقهنا بأفکار رائد عند العامة کتنقیح و تحقیق المناط و سدّ الذرائع و مصالح المرسلة و الاستحسان و حتی القیاس. کان إبن جنید متهما بهذا الاتجاه و مازال العلماء یمیلون إلی الإستحسان و تنقیح المناط و الأولویة و هذا حال«شرح اللمعة»و «الجواهر» و «المکاسب»  کما أنه کان من أقدم الأبحاث فی علم الأصول التحسین و التقبیح فاختار علمائنا إتجاهات مختلفة خاصة بهم أمام المسائل و مثاله الواضح هذه القاعدة الملازمة التی نبحث عنه الآن: 
«هناك بحث عند الأصوليّين في أنّ ما يحكم به العقل العملي من التحسين أو التقبيح العقليّين هل يحكم به الشارع أيضاً أو لا؟ و يسمّى بقاعدة الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع و أنّ كلّما حكم به العقل حكم به الشرع أيضاً. و قد أنكرها بعضهم مطلقاً، و أثبتها بعضهم كذلك، و فصّل بعضهم بين الأحكام العقليّة القبليّة و الأحكام العقليّة البعديّة».  لا شکّ أن هذا طبیعة کل العلوم و طریقة کمالها...
فتوسع نطاق البحث بید«المحقّق الميرزا أبو القاسم بن محمّد حسن القمّي (1151- 1231 ه‍) صاحب (القوانين) و هو من أفضل ما كتب في الأصول، في مباحث الألفاظ و المباحث العقليّة. و قد توسّع المحقّق القمّي في بحث حجّيّة الدليل العقلي و في بحث الملازمة بين الحكم العقلي و الحكم الشرعي بما لا نجد له نظيرا في أبحاث المتقدّمين عليه و ما يقلّ نظيره في أبحاث المتأخّرين» . 
فهذه القاعدة لیست إلا ما یقال«کلما حکم به العقل، حکم به الشرع و کلما حکم به الشرع حکم به العقل». قاعدة مبنیة علی ما یسمّونه ب«المستقلات العقلیة» کما ذکر آنفا. و فیها یقول العلامة البهبهانی:« معنى هذه العبارة المعروفة: «كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل» هو أنّ الأحكام الشرعيّة بشكل بحيث  أنّ لها أسرار و رموز لو بيّنات[بیّنت] تلك الأسرار للعقل لأقرّ العقل ضرورة تلك الأحكام. و هذا التوجيه ليس إنكارا لقاعدة الملازمة، حيث هي ناظرة إلى الكشف القطعيّ و اليقينيّ الذي هو مقبول عقول جميع العقلاء، و لا يتردّد فيه العاقل البتّة» . 
و قال الطباطبایی: «انّ الملازمة معناها انّ كلما حكم العقل بحسنه و قبحه بعنوان لزوم الفعل و عدم الرّضا بالتّرك او بالعكس او غيرهما من الأحكام فيحكم الشّرع به بمعنى انّ العقل يدلّ على انّه مطلوب الشّارع و مراده و نحن مكلّفون بفعله او مبغوضه و مكروهه و نحن مكلّفون بتركه و ان لم يرد من الشّارع بحسب الظّاهر حكم مطابق لحكم العقل»  و قیل أن حکم العقل لیس الا العلم الذی یرادف القطع و إلیقین کحجة شرعیة یؤاخذنا به الشارع حتّی مع عدم إعلام حجیته إلینا: 
«العلم و يرادفه القطع و اليقين حجة للعالم ذاتا فيؤاخذ الشارع العالم بالحكم بعلمه و لو مع عدم إعلام حجيته إليه فلو حصل العلم لشخص بوجوب شي‌ء أو حرمته أو بغيرهما من الأحكام التكليفية أو الوضعية من أي طريق كان وجب‌ عليه في نفسه الإتباع لعلمه و جاز للشارع مؤاخذته لو اتفق مخالفته لحكمه و لا فرق في ذلك بين كثير القطع و قليله و سريع القطع و بطيئه . فصح أن یقال: حجیة العقل مبنیّ علی کِلا العقل و النقل لو کان حکمه قطعیا و بالعقل نتعرف علی أصول الدیانة و حقیقتها و حقانیتها فلایمکن عدم حجیتها شرعا .
لکن لم یبدو الأمر کذلک فقد إختلف العلماء فی هذه القاعدة «و قد أنكره بعضهم مطلقاًو أثبته بعضهم كذلك، و فصّل بعضهم بين الأحكام العقليّة القبليّة و الأحكام العقليّة البعديّة». 
فمن یثبت منهم هذه القاعدة ذکروا وجوها و احتمالات فی مؤداها:
الف: إنّ ما حكم به العقل، حكم بمثله الشرع، و على هذا ففي الموارد التي يستقل فيها العقل، حكمان، كما أنّ فيها حاكمين.
ب: كلّ ما حكم به العقل، حكم بعينه الشرع، و يصدقه، و عليه يكون هنا‌ حكم واحد لحاكمين. 
ج: كلّ ما حكم به العقل، فهو عين ما حكم به الشرع، بمعنى أنّ العقل رسول الشرع باطناً، و النبيّ رسول الشرع ظاهراً و العقل لسان الشرع، و على هذا فالحكم و الحاكم واحد. و الاحتمال الأخير هو الظاهر من المحقّق القمّي قال: إنّ العقل يدرك أنّ بعض هذه الأفعال ممّا لا يرضى اللّه بتركه و يريده من عباده بعنوان اللزوم، و بعضها ممّا لا يرضى بفعله و يريد تركه كذلك- إلى أن قال:- و لازم ذلك أنّه تعالى طلب منّا الفعل و الترك بلسان العقل فكما أنّ الرسول الظاهري يبيّن أحكام اللّه و مأموراته و منهياته، كذلك العقل يبيّن بعضها . 
و استدلّ علی القول الثالث و هو أنّ حکم العقل هو نفس حکم الشرع و لیس بینهما ثنائیة و لا غیریة « فإذا حكم العقل بوجوب شي‌ء مثلا حكما قطعيّا مستقلا لا بدّ من حكم الشرع به أيضا، لعدم الانفكاك بين الحكمين، و بحسب الحقيقة حكم العقل الذي كان مورد وفاق العقلاء بما هم عقلاء نفس حكم الشرع بلا فصل و لا غيرية، و عليه يكون وجوب إطاعة المولى- مثلا- الذي هو من المستقلات العقلية (الحكم العقلي الذي لا يحتاج إلى المقدمة كالتحسين و التقبيح العقليين) هو الوجوب الشرعي بعينه، و الأمر به قوله تعالى أَطِيعُوا اللّهَ وَ... يحمل على الإرشاد لتماميّة البعث عقلا .
و لکن العجیب أن البعض مع الإقرار علی النفسیة فی الأمرین یتمتم بکلام آخر و یتفرق بین الحکمین بتقسیم نوعیة الأمر و یری أن هناک امران: امر من جانب العقل و امر من جانب الشرع. فأمر العقل یکون مولویا و أمر الشرع یکون إرشادیا. و معنی إرشادیة الأمر أنه یرشدک إلی مصلحة فقط و لایثبت علیک أیّ تکلیف و یمکنک المخالفة و لایترتب علیها(المخالفة) أی عقاب ... 
إلیکم بعض أقوالهم الأخری فی الباب من علماء المعاصرین:
1-     جعفر السبحانی: و أمّا الملازمة بين الحكمين، فلأنّ الموضوع لدى العقل للحكم، هو نفس الموضوع عند اللّه سبحانه، فكان الحسن و القبح، و المدح و الذم، و البعث و الزجر من لوازم الفعل عنده فلا وجه لتفكيك اللازم عن الملزوم في موطن دون موطن. و إن شئت قلت: إنّ العقل يدرك أنّ هذا الفعل حسن أو قبيح، و انّه مستحق للمدح أو الذم و انّه يجب أن يفعل أو لا يفعل، فإذا كان المدرَك بهذه السعة، فلا يصح التفكيك بين الخالق و المخلوق، و التفكيك أشبه بأن تكون زوايا المثلث مساوية لزاويتين قائمتين عند الإنسان دون اللّه، فالجميع من الحسن و القبح و المدح و الذم، و البعث و الزجر، من لوازم نفس الشي‌ء بما هو هو، يترتب الجميع عليه عند من حضره بمفهومه .
2-    علی المشکینی: و أمّا المسألة الثانية: أعني قاعدة كلما حكم به الشرع حكم به العقل، فالظاهر من الأصحاب تماميتها و صحتها و كونها مقبولة عند الجل لو لا الكل، فإن معناها كل فعل حكم الشرع بوجوبه لاشتماله على المصلحة الملزمة، أو حكم بحرمته لاشتماله على المفسدة الملزمة لو أدرك العقل ذلك الملاك فلا جرم يحكم بحسن الأول و قبح الثاني و هذا ظاهر. 
3-     حجت الکوه کمری: «الرابعة» «قاعدة الملازمة» بين حكم العقل و الشرع، فيستكشف من وجود المتلازمين اعنى حكم العقل وجود أحد الملازم الأخر أعني حكم الشرع و هي ثابتة بحسب جملة من الروايات و موردها  علل الاحكام دون سلسلة معلولاتها فان الملازمة بين الحكم فيها يوجب التسلسل .
4-    الشیرازی:  القانون الطبيعي يطابق الشريعة الإلهية، لا بالمعنى الذي كان يراه بعض أصحاب الأديان في القرون الوسطى، بل بالمعنى الذي ذكرناه: من الفطرة، و العقل الذي جعله سبحانه حجة، و لذا قال العلماء: «كلّما حكم به العقل حكم به الشرع و كلما حكم به الشرع حكم به العقل» .
5-     یقول محمد الصدر: و الملازمة بين حكم‏ العقل‏ و حكم الشرع، و إن لم تثبت عندي في علم الأصول، و لكننا خارجا، لم نجد حكما عقليا إلّا و على طبقه حكم شرعي إلزامي أو استحبابي، كما لم نجد حكما شرعيا، إلّا على طبقه حكم عقلي بالرجحان و أن تطبيقه موافق للعدل. 
6-    جواد مغنیه: لا مجال للنزاع هنا[کیفیة وجوب مقدمة الواجب] في الحكم الشرعي بعد التسليم بأن كل ما حكم به العقل يحكم به الشرع. 
نکتفی بهذه النماذج من أقوالهم فی حجیّة العقل و شرعیة حکمه و نکمل البحث بقولین آخرین:
1.    علی الصفایی: العقل یشابه العین فکما أن العیون مختلفة فی الرؤیة؛ فعین تری الکنز تحت تلال و اطلال خاویات و عین لاتتجاوز مدی مرآها مائة متر و کلاهما محدّدان، العقل أیضا یکون هکذا محددا فی نظرته و لیس غیر متناه. أو یکون کمیزان یقاس به بعض الأشیاء فقط، فقد مضت القرون علی البشر و لایعلم إلا قلیلا و عنده مسائل و مجهولات أملأت مابین الأرض و السماء .
2.    أکبر نجاد: عملیة العقل لإثبات حکم شرعی[کما فی قاعدة الملازمة] تتمّ هکذا:
-    کشف مصلحة أو مفسدة و جعلها کصغری قیاس. مثلا«الکذب یسبب الإختلال فی حیاتنا الإجتماعیة».
-    جعل حکمة الله تعإلی کبری هذا القیاس و الحکم بأن«هو الحکیم لایرضی باختلال فی نظام المعیشة و الروحیة الإنسانی».
-    ف«الله الحکیم جلّ جلاله، لایرضی بالکذب». فبهذا الطریق یُعلم أن احکام العقلیة احکام مولویة بما أنه کاشف عمّا عندالله من الأحکام و مدرکها .
بما ذکرنا من الاقوال نستطیع أن نستنتج أنه من الواضحات البدیهیة الأصولیه حجیة حکم العقل و أنه حجة من حجج اللّه تعالى على عباده، حسب ما نفهم من العقل نفسه و من النقل و الأدلة المعروفة عند العلماء کقاعدة الملازمة و لکن بقی هناک مسألة أخری و هی البحث عن عکس القاعدة، أی کلما حکم به الشرع حکم به العقل. هل تصح القاعدة عکسا کما تصح أصلا أم لا؟
إن الکلام فیه طویل لایسع الورقه هذه فنقتصر بما یقول علی المشکینی و یریه مسألة کلامیة: «كلما حكم به العقل حكم به الشرع، فكل فعل أدرك العقل القطعي حسنة و لم يكن هناك ما يخالفه من الحجج النقلية حكم الشرع بوجوبه، كما ان كل فعل أدرك العقل القطعي قبحه حكم الشرع بحرمته، و لم نتعرض للتفصيل في المقام لكونه مسألة أصولية فإن نتيجة البحث عنها تقع كبرى لاستنتاج الحكم الفرعي، و هذا بخلاف عكس القاعدة، و هو كلما حكم به الشرع حكم به العقل فإنها ليست مسألة فقهية و لا أصولية و لعلها مسألة كلامية» . 
و أما أنه ما الفرق بین الفرق بین القاعدة الأصولیة و الفقهیة؟ یقول السیفی فی ذلک «و ملاك الفرق بين القاعدة الأصولية و الفقهية، أنّ القاعدة الأصولية كبرى واقعة في الحد الأوسط من قياس الاستنباط و تغاير النتيجة؛ بمعنى عدم كونها حكماً كلياً بحيث تكون النتيجة من أفرادها و مصاديقها. بخلاف القاعدة الفقهية؛ فانّها حكم كلي يُحتج به على مصاديقه و أفراده . لکنه لامجال هنا للبحث عن تلک المسائل...

9.    تبریر القاعدة
عرفنا کلام الأصولیین حول العقل و مدی حجیته و وجوب العمل علی مؤداه کحجة من الله تعالی نُؤاخَذ به و لا فرق بینه و بین النقل(القرآن الکریم و قول النبیصلی الله علیه و آله و سلم) هذا فی إطار القول و الرّأی و أما فی مجال العمل و حقیقته فی الخارج، ربما لانری أثرا من هذه الرؤی الرّقیة و أقوال عالیة غالیة و حتی فی کلامهم أیضا ما یوهم خلاف ذلک. فقد قیل إن القول بحجیة دلیل العقلی فی أصول الفقه الشیعی لا یتجاوز عن مجرد ادعاء کلّی کبروی بحت و لیس له تطبیق محدد فی الفقه الشیعی. إنّه عقل خجِل و محتاط لایهمّه أن یخطّئ إعتبار النّسوة و الفتیات الغیر مسلمات عبیدا بما أنهم إختاروا دینا آخر و لا یقبح إغتصابهنّ، کما أنه لا یقبّح الإستمتاع من طفلة صغیرة، إطفاء لشهوات الرجال ... علی أنه یحکم بالحسن و القبح العقلیین متحمسا... مَثَل العقل هذا، مَثل اسدٍ لیس له حافة و لا بطن و لا ذیل و مع ذلک کلّ یحترمه و یعظّمه و یفتخر بوجوده کی لایلائم بعدم امتلاکه . و لا أظن القول فارغا عن الحقّ و خالیا عن الحقیقة؛ بما نقرأ من فتیاهم العجیبة و الغریبة بکثیر. بل کثیرا ما نشاهد فی کتب علمائنا الأصولیین آراء و تبریرات تخالف فکرتهم فی القاعدة الملازمة و یوهمنا القول بأن البعض یحاولون التخلص عن القاعدة أحیانا...
1)    ابوالقاسم الخوئی علی ما کتب عنه النائینی فی تقریراته: كل حكم عقلي يقع في سلسلة معلولات الحكم الشرعي لا يكون إلا حكما إرشاديا غير مستتبع لحكم شرعي و لا يترتب على مخالفته الا ما يترتب على نفس المرشد إليه‏ 
2)     حبیب الله الرشتی من تلامیذ الشیخ الأنصاری: تحقق في محلّه من أنّ قاعدة التطابق أي الملازمة بين الحكم العقلي و الشرعي تابعة للموارد فقد يثبت بها الحكم الإرشادي و قد يثبت بها الحكم الشرعي فلا بدّ من قابلية المحلّ لعروض الحكم الشرعي‏ 
3)     یقول ضیاء الدین العراقی فی حکم العقل بدفع الضرر المحتمل: و أمّا لو اريد منه الدنيوي فنقول: لا تلازم بين احتمال الوجوب او التحريم و بين احتمال المضرة أو المنفعة، و ثانيا نمنع مجرد فوت المصلحة او الوقوع في المفسدة ضررا لكي يحكم العقل بوجوب دفعه، و ثالثا ان حكم العقل بوجوب الدفع من الشارع يكون حكما ارشاديا لا مولويا مستتبعا للعقوبة أو المثوبة، و رابعا ان حكم الشارع المستكشف من حكم العقل إنما يكون مولويا بناء على الملازمة، و قد عرفت ان الحق عدمها، و خامسا ان الضرر الذي يجب التحرز عنه هو الضرر غير المتدارك، أمّا الضرر المتدارك فلا يجب التحرز عنه، كما في المقام فان الادلة قائمة على كون الضرر متدارك فلا يجب التحرز عنه فافهم. 
10.    إشکالیات فکر الأصولیین حول العقل
هناک عدة إشکالیات فی فکر الأصولیین المتعلقه بإتجاههم حول العقل. یقول أکبر نجاد: مع الأسف نری فی کتب الأصولیة المتأخرة إرتباکا و عدم انضباط شدیدة مؤلمة و تعقیدا لا یُعلم بدایته من النهایة. حجیة العقل علی أنه من المسائل البدیهیة أصبح غامضا متعقّدا متورما متعبا لا حظّ فیه للطلاب[خاصة المبتدئین منهم] إلّا تشغیل الذهن و المکابدة و الحیرة کأنهم واجهوا ألغازا أو معادلات حسابیة لها عشرة مجهولات. حتی الاساتذة الفنان قد لایفهمون فی الختام ماهو حکم العقل و ماهو نسبته بالشرع. و الأعجب أن البعض یبحثون حول حکم العقل لضرورة أنه لوکان وجوب مقدمة الواجب شرعیا، کتب لتارک الحجّ[مثلا] عقابان لأنه إرتکب إثمین: ترک الحج و ترک مقدمته. و نظایر هذا الفهم من العقل من العجایب جدا و علامة عدم الإلتزام بالأمور البدیهیة العقلیة .
لنوضّح الموضوع فی هذا الباب أکثر؛ نتذکّر الآن کلامَین آخرَین للأصولیین العقلیین یستکشف عن إلتزامهم بقاعدة الملازمة و عینیّة حکم العقل و حکم الشرع. و هما تقسیمهم العقل بالنظری و العملی و تقسیم الأمر بالمولوی و الإرشادی.
10.1.    تقسیم العقل
یقال فی الأصول تبعا للفلاسفة أنّ «العقل ينقسم إلى عقلٍ نظري و عقلٍ عملي. و هذا التقسيم باعتبار ما يتعلق به الإدراك: فالمراد من «العقل‏ النظري‏»: إدراك ما ينبغي أن يُعلم، أي إدراك الامور الّتي لها واقع. و المراد من «العقل العملي»: إدراك ما ينبغي أن يُعمل، أي حكمه بأنّ هذا الفعل ينبغي فعله أولا ينبغي فعله».  و هذا من المشهورات عندهم الذی یبتنون علیها بعض المسائل فی علم الأصول و یفترقون بینهما فی الأحکام. 
مثلا نری العلامة المظفر  حتی یوافق الأخباریین فی إنکارهم الملازمة بهذا الإفتراق: «و على هذا التقدير، فإن كان ما أنكره صاحب الفصول و الأخباريّون من الملازمة هي الملازمة في مثل تلك المدركات العقليّة الّتي هي ليست من المستقلّات العقليّة الّتي تطابقت عليها آراء العقلاء بما هم عقلاء، فإنّ إنكارهم في محلّه و هم على حقٍّ فيه لا نزاع لنا معهم فيه. و لكن هذا أمر أجنبيّ عن الملازمة المبحوث عنها في المستقلّات العقليّة. و إن كان ما أنكروه هي مطلق الملازمة حتّى في المستقلّات العقليّة- كما قد يظهر من بعض تعبيراتهم- فهم ليسوا على حقٍّ فيما أنكروا، و لا مستند لهم». 
و هل هذا التقسیم و التفرقة فی حکم العقل، صحیح فی الفقه أم لا؟ لعلّ من أحدث الرؤی فی الباب ما جاء به «أکبر نجاد» حیث لایقبل هذه القسمة و یقول أنّها لغو و باطل: أول ما یقوم به العقل، معرفة الأشیاء و قیاس الربط و التواصل بینها ثمّ بیان حکم متلائم و متناسب لکلّ شیئ بالنسبة إلی الأخری. بینما یتصور و یعرف کلّ من الإنسان و الماء مثلا؛ یحکم بضرورة الماء لحیاة الإنسان. کما أنّه بمعرفة حقیقة الإنسان و المجتمع، یحکم بضرورته له. فعلی هذا یمکننا الإستنتاج بأنّ الأحکام العقل العملی من لوازم مدرکات العقل النظری و لیس للعقل العملی وجودا مستقلا عن العقل النظری. لأن العقل العملی دوام عقل النظری و لیس قسیمه. و لایوجد علم یتکفل البحث عن العقل العملی، حتی علم الفقه الذی شأنها التحقیق عن الروابط؛ فما من فقیه یستخرج و یستنبط الاحکام من العقل العملی إبتدائا. یعنی أنه لو أفترضنا وجوب الحیاة الجماعیة مسألة فقهیة، فهی متوقفة علی معرفة الإنسان و حاجیاته و الکلّ حصیلة العقل النظری .
یمکننا أن نقول بأن مراد الأصولیین من نظائر هذه القسمة هو تحدید مجال و مجری تطبیق القاعدة الملازمة و تقعید لها. فقد أشیر إلی قولهم أن المراد من حجیة العقل کاشفیته عن الحکم الشرعی کطریقة توصلنا إلی ما أراد الله تعإلی بحیث المکلفین و لا کل ما یدرکه العقل و یحکم به فی شتّی الأمور. فهکذا حدّدوا إستعمال قاعدة الملازمة فی عدة موارد خاصة:
 «أنّ القاعدة تستعمل في موردين: 
الف: إنّ هنا من يرى جواز خلوّ الواقعة من الحكم الشرعي، فيقال في مقابله: كلّما حكم به العقل حكم به الشرع، بمعنى أنّه لا يصحّ أن تخلو الواقعة عن الحكم الشرعي، و المقصود إثبات أصل الحكم الشرعي في مورد حكم العقل و عدم خلوّ الواقعة عن الحكم الشرعي، و يكون التطابق بين الحكمين ملحوظاً ضمنياً و المقصود الأصلي وجود نفس الحكم الشرعي لردِّ وهْمِ خلوِّها عنه.
ب: هناك من يزعم إمكان الخلاف بين الحكمين، مع قبول عدم خلو الواقعة عن الحكم الشرعي أو مع قطع النظر عنه، فيقال في ردّه: كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع، فيكون التطابق ملحوظاً أصليّاً، و وجود أصل الحكم غير ملحوظ أصلًا أو ملحوظاً تبعياً .
لعلّ المورد الأول من کلامه جاء مما یعبّرون عنه ب«منطقة الفراغ» فی الفقه و هی حالة لیس للانسان أیّ تکلیف و یکون کلّ من الفعل و الترک فی حقّه علی حدّ سواء و الحکم هنا الإباحة شرعا. بعبارة أخری: یقولون أن بعض الأفعال الآدمیین الملکلّفین لیست لها مصلحة و لا مفسدة، او تکون علی صفة تساوی فیها المصلحة و المفسدة بحیث لا رجحان لطرف منهما، فنحن فی منطقة الفراغ، نفعل شیئا ما أو نترک العمل أصلا و سمّوا مثل هذا الحکم الإباحة و ذکروا له اقسام عقلیة و شرعیة و...  و الشهید الصدر یبحث عن منطقة الفراغ فی کتابه «إقتصادنا» و تدخّل الدولة فی الحیاة الإقتصادیه و یراها مجال لتشریع الدولة احکاما تحقق العدالة الإجتماعیة الإسلامیة .
10.2.    تقسیم الأمر
من الأبحاث المعقدة فی علم الأصول لها علاقة وثیقة بالموضوع تقسیم الأمر بالمولوی و الإرشادی. و الحدیث ینبع عن فرضهم المعرف بتوارد الأمرین فی موضوع واحد کما أشرنا إلیه فی بحثهم عن مقدمة الواجب و سؤالهم المهم المعضل أنه واجب شرعی أم عقلی و أن للتارک عقاب واحد أم عقابین؟ فقد أثاروا فیه الجدال و الخلاف... کما قرأنا فی أصول الفقه للعلامة المظفر: «لو ورد من الشارع أمر في مورد حكم العقل كقوله تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ»  فهذا الأمر من الشارع هل هو أمر مولوي، أي أنّه أمر منه بما هو مولى. أو أنّه أمر إرشادي، أي أنّه أمر لأجل الإرشاد إلى ما حكم به العقل، أي أنّه أمر منه بما هو عاقل؟ و بعبارة اخرى: أنّ النزاع هنا في أنّ مثل هذا الأمر من الشارع هل هو أمر تأسيسي، و هذا معنى أنّه مولوي. أو أنّه أمر تأكيدي، و هو معنى أنّه إرشادي؟
لقد وقع الخلاف في ذلك. و الحقّ أنّه للإرشاد حيث يفرض أنّ حكم العقل هذا كافٍ لدعوة المكلّف إلى الفعل الحَسَن و انقداح‏ إرادته للقيام به، فلا حاجة إلى جعل الداعي من قبل المولى ثانياً، بل يكون عبثاً و لغواً، بل هو مستحيل، لأنّه يكون من باب تحصيل الحاصل». 
ملخص الکلام فی الأوامر الإرشادیه أنها لیست واجبة الإتیان و هو نظیر أمر الأطباء و وصفاتهم الطبیة لا یعاقب الشخص بترک أوامره و ینتفع بها لو عمل و أتی کما أمر و هذا هو الشیخ الانصاری یقول: 
«و دعوى: أنّ العقل إذا استقلّ بحسن هذا الإتيان ثبت «بحكم الملازمة» الأمر به شرعا. مدفوعة؛ لما تقدّم في المطلب الأوّل‏ من أنّ الأمر الشرعيّ بهذا النحو من الانقياد- كأمره بالانقياد الحقيقيّ و الإطاعة الواقعيّة في معلوم التكليف- إرشاديّ محض، لا يترتّب على موافقته و مخالفته أزيد ممّا يترتّب على نفس وجود المأمور به أو عدمه، كما هو شأن الأوامر الإرشاديّة، فلا إطاعة لهذا الأمر الإرشاديّ‏، و لا ينفع في جعل الشي‏ء عبادة، كما أنّ إطاعة الأوامر المتحقّقة لم تصر عبادة بسبب الأمر الوارد بها في قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ . 
فإن الشیخ لا یعبأ بحکم العقل هذا وزان الحکم المستحبی و هذا من عجائب افکار الأصولیین الکرام: «[الثمرة بين الأمر الإرشادي‏ و الاستحباب الشرعي‏] ثمّ إنّ الثمرة بين ما ذكرنا و بين الاستحباب الشرعيّ تظهرفي ترتّب الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستحبّات الشرعيّة، مثل ارتفاع الحدث المترتّب على الوضوء المأمور به شرعا؛ فإنّ مجرّد ورود خبر غير معتبر بالأمر به لا يوجب إلّا استحقاق الثواب عليه، و لا يترتّب عليه رفع الحدث، فتأمّل». 
و یقول شارح کتابه فی الموضوع: أمّا العقل فللإرشاد يقينا كما سيصرح به و مرجع الأمر الإرشادي‏ إلى بيان مصلحة المكلّف من دون ملاحظة كون الأمر عاليا تجب إطاعته عقلا أو شرعا أو عادة أو كونه مستعليا كأمر الطّبيب الذي مرجعه إلى بيان مصلحة المكلّف في شرب الدّواء و لذا لا يترتّب على موافقة هذا الأمر ثواب و لا على مخالفته عقاب بخلاف سائر الأوامر لكون جهة المولويّة و صدورها من هذه الجهة ملحوظة فيه ...»‏ . 
إذن، لُبّ کلامهم فی إرشادیة الأوامر أنه اذا أمرنا الشارع بفعل کإقامة الصلوة بقوله أقیموا الصلوة فالأمر فی المرة الأولی أمر مولویّ یراد امتثاله و کُلفتا بأدائه فنحن مجزیّون بالثواب لو اطعناه و بالعقاب لو مهلنا و ترکناه. فإن تکرّر الأمر ثانیة و ثالثة فما علا، هل هذا أمر مستقلّ یستدعی إمتثالا مستقلا و مجازاة أو مکافاة علی حدة أم لا؟ أعنی لوکان أوامر التالیة مولویا لابدّ أن یکون لها الجزاء و قصد الإمتثال مستقلا عن الأول و هذا لایمکن، لأن المأمور به واحد و لیس للمطیع إلا ثوابا واحد... فما العمل؟
قالوا: الأوامر التابعة لیست مولویة بل إرشادیة یرشدنا إلی الأمر الاوّل و إنما جیئ بها تأکیدا للأول کیلایکون عبثا و لغوا... فعلی قاعدة الملازمة؛ حینما عرفنا الوجوب مثلا بالنقل یکون حکم العقل إرشاد إلیه و إن عرفناه بالعقل، یکون حکم الشرع/ النقل إرشادیة محضة و هکذا...
یکفینا فی إستکمال هذا البحث أیضا الإستناد بدراسة و روایة مؤلف کتاب «کلام فقاهی» [بالفارسیة] و بهذا نختم الکلام هنا [معترفا بأن الموضوع أکثر عمقا و غموضا من أن یستوعبه مقال کهذا و الدارس الکاتب فی خطواته الأولی لایعرف من العلوم الدینیة و من المهارات الدراسیة شیئا و هذه محاولات تدربیة و للتعلّم ...]:
إذا راجعنا عرفنا الإنسانیة و معرفتنا الوجدانیة و أفترضنا أنفسنا کآمر یأمر عمّاله بعمل فنشاهد عنهم الإهمال و البطالة أو شعرنا عدم إلتفاتهم بأهمیة العمل و مسامحتهم فی واجبهم، ما ذا نفعل؟ طبعا نکرّر أمرنا و ربما یتضمن التکرار شدة و حدّة أکثر من الأول. ما ذا ترون؟ أ لم تقصدوا فی هذا التکرار الإمتثال من العامل؟ هل أمرکم الثانی مغایرا و محایدا للأمر الأول؟
غایة ما نجده و ندرکه فی هذه الحالة أن کل الأوامر متحدة حتی یمتثل العمل المأمور به و أن الآمر لن یتنازل عن مولویته حتی فی أمره العاشرة بل المولویة یشتدّ علی العامل بالتکرار و یضاعف لومه و عقابه. لأنا نری بونا شاسعا بین جریمة عامل تخلف مرة واحدة و آخر متخلف متکرر الذی یستوجب معاقبة اکثر و اشدّ. إن الله تعالی لو أمرنا بإقامة الصلوة مرّة و لم یتکر الأمر؛ لکان جریمة العاصی التارک أخفّ و أقل من أنه جلّ و علا تکرّر و تأکد بها مئات المرّات و لمّا یُمتثل. و هکذا الحال فی الأوامر العقلیة؛ بما أن الناس لایلتزمونها و لایدینون بها یؤکد الشارع علیها بالأمر و النهی و هذا لا یعنی زوال المولویة للتکرار. و الذی تسبب الخطأ فی المقام عدم التمایز بین الأحکام التأسیسیة و الأحکام المولویة. لیست المولویة فی الحکم إلا إرادة الطاعة لله تعالی و هی موجودة فی حال التکرار أیضا و أما التأسیسیة تعنی حدوث إرادة جدیدة لا یوجد فی التکرارات. بناء علی ما ذکر، تقسیم الأحکام بالمولویة و الإرشادیة لغو لا جدوی فیها و الأجدر از نقسّمها بالتأسیسیة و التأکیدیه و التأکید یؤثر فی میزان الثواب و العقاب . 
11.    خلاصة المقال
من العلوم المهمة الإسلامیة علم الفقه و هو یبتنی علی أصول و قواعد خاصة یحتویها علم الأصول أو علم أصول الفقه. و فقهنا الشیعی الإثناعشری له أصول اربعة: الکتاب و السنة و الإجماع و العقل. عندما نلاحظ تأریخ الفقه و نطالع تیار فکری علماء الفقه الشیعی، نری هناک تطورات عظیمة فی إطار الأصول و دور الأدلة الفقهیة التی نعرفها بصفة منابع الشریعة و مصادر احکامها. ففی زمان یرکّزون علی الحدیث و ینکرون مصادر أخری الثلاثة و یستبدلون الأدلة الأربعة بالکتب الأربعة(الکافی- من لایحضره الفقیه- التهذیب و الاستبصار)ثم تحول الفکرة الأصولیه و یستند علی الأدلة الأربعة المعروفة تلک فیعدون العقل من الأدلة علی الحکم الشریعة و طریقا إلیها...
فقد طالت الأزمان و مضت القرون عن زوال الفکر الأخباری و لکنّا نری ثفل عقائدهم و رسوباتهم الفکریة و الثقافیة باقیة فی أذهان کثیر من علمائنا الأصولیین و حتی فقهائنا المجتهدین الیوم أیضا. و ما یشهد علی بقاء الفکرة و الصور الذهنیة؛ فتیاهم فی بعض الموضوعات و تفکیرهم فی کثیر من المسائل حتّی فی علم الأصول. علی سبیل المثال نراهم باحثین عن حجیة العقل معتقدین برسالته الإلهیة الباطنیة فیُثبتون الملازمة بین حکم العقل و حکم الشرع بل وحدة حکمهما و عینتهما کقاعدة کلّیة فی علم الأصول و لکنهم أنفسهم ینسون کلامهم هذا و عقیدتهم هذه فی الملازمة و الوحدة فیظهرون عن تردیدهم فی وجوب مقدمة الواجب و أنها هل واجبة عقلیة أم شرعیة؟ 
کما أن مع إذعانهم بحجیة العقل کمصدر شرعی؛ یبحثون و یجادلون البعض بعضا، فی أنه هل الأوامر العقلیة مولویة یجب علینا إمتثالها أم ارشادیة یمکننا التخلف عنه؟ و هکذا... و ابحاث کهذه یدفعنا أن نقول: مثل العقل فی أصول فقهنا مثل أسد یحکی عنه المولوی فی المثنوی المعنوی، أسدٌ لیس له رأس و لا صدر و لا رجل و لا بطن و لا ذنب و لما یخلقه الله تعالی... 
شیر بی پا و سر و اشکم که دید؟           این چنین شیری خدا هم نافرید
فما العلة أنهم یتفوهون فی علم الأصول بأصول و یفصحون عن آراء و أفکار لن نری منها أثر و لن نسمع عنها خبر فی الفقه؟ حینئذ ماهی الفائدة من ذکر العقل فی عداد المصادر الشرعیة؟ و ماهو الطعن و التشنیع لعلمائنا الأخباریین رحمهم الله؟ و أین إستفادتنا من هذا النبع العظیم؟ و هکذا وضح لنا الإجابۀ عن السؤال المطروح فی أول المقال: هل للأصولیین رأی جدید و سعی مائز و إجتهاد متمایز عن الأخباریین فی فتیاهم و استنباطهم الأحکام الشرعیة من ادلتهم الأربعة؟ 


12.    المصادر
1.    القرآن الکریم
2.    الاسترآبادى، محمد امين - عاملى، سيد نور الدين موسوى، الفوائد المدنية و بذيله الشواهد المكية، مؤسسۀ النشر الإسلامی التابعۀ لجماعۀ المدرسین بقم المشرفه،، قم - ايران، دوم، 1426 ه‍ ق،
3.    الاشكنانى، محمد حسين، دروس في اصول الفقه ( توضيح الحلقة الثالثة )نشر انوار الهدی، قم، الطبع الاول، 1380 ش.
4.    الاصفهانى، محمد حسين، نهاية الدراية في شرح الكفاية ( طبع قديم )، نشر سید الشهداء  قم، الطبع الاول، 1374 ق.
5.    الأکبر نجاد، محمد تقی زوائد علم اصول فقه[بالفارسیه]، نشر دارالفکر، قم، 1396، ص37
6.    -------- کلام فقاهی[بالفارسیة]، انتشارات دارالفکر، الطبع الأول، قدس، قم، 1395.
7.    الانصارى، مرتضى بن محمدامين، فرائد الأصول - قم، الطبع ۹، 1428 ق.
8.    -------- مطارح الأنظار ( طبع جديد ) - قم، الطبع الثانی، 1383 ش.
9.    البهبهانى، محمد باقر بن محمد اكمل، الاجتهاد و التقليد (الفوائد الحائرية)، مجمع الفكر الإسلامي، قم - ايران، اول، 1415 ه‍ ق.
10.    ------- الرسائل الأصولية، نشر موسسه العلامه المجدد الوحيد البهاني‏، قم، الطبع الاول، 1416 ق،
11.    تبريزى، جعفر سبحانى، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، نشر مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1423 ه‍ ق.
12.    ------- الرسائل الأربع (للسبحاني)، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه‍ ق.
13.    -------رسائل اصولية ، مؤسسۀ الام الصادق، قم، الطبع الاول، 1383 ش.
14.    التبريزى، موسى بن جعفر، أوثق الوسائل في شرح الرسائل ( طبع قديم )، نشر کتبی نجفی، قم، الطبع الاول، 1369 ق.
15.    التميمى آمدى، عبد الواحد بن محمد، غرر الحكم و درر الكلم، نشر دار الکتاب الاسلامی، قم، الطبع الثانیۀ، 1410 ق.
16.    جماعۀ من المحققین، بإشراف السيد محمود الهاشمي الشاهرودي‌ ، موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام‌ ، مؤسسه مؤسسه موسوعۀ الفقه الاسلامى علی مذهب اهل البيت عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1426 ه‍ ق.
17.    جماعۀ المؤلفین، مجلة فقه أهل البيت عليهم السلام (بالعربية)، مؤسسه موسوعۀ الفقه الاسلامى علی مذهب اهل البيت عليهم السلام، قم - ايران، اول، ه‍ ق.
18.    الخمينى، روح‏الله، أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية، ، موسسه تنظيم و نشر آثار الإمام الخمينى، تهران، الطبع الثانی، 1415 ه.ق،
19.    الدرّی، مصطفی، مورد عجیب دلیل عقل، http://ijtihadnet.ir، 27 مرداد 1397، تاریخ الرجوع: 10/2/1399.
20.    رحیمی، مجتبی، روش شناسی اجتهاد، نشر دارالفکر، قم، 1398.
21.    الرشتى، حبيب‏الله بن محمدعلى، بدائع الأفكار ، نشر موسسة آل البيت عليهم السلام‏،  قم، الطبع الاول.
22.    الشيرازى، سيد محمد حسينى، الفقه، القانون، مركز الرسول الأعظم (ص) للتحقيق و النشر، بيروت - لبنان، الثانی، 1419 ه‍ ق.
23.    الصدر، محمد باقر، المعالم الجديدة للأصول ( طبع جديد ) - قم، الطبع الثانی، 1379 ش.
24.    ------- ، اقتصادنا، مکتبة الشاملة.
25.    الصدر، محمد، منة المنان في الدفاع عن القرآن، دار الأضواء - لبنان - بيروت، الطبع الأول، 1423 ه.ق.
26.    الصفایی الحایری، علی(عین- صاد)، درآمدی بر علم اصول[بالفارسیة]، نشر  لیلة القدر، الطبع الثانی، 1386، قم.
27.    طباطبائى يزدى، محمد باقر، وسيلة الوسائل في شرح الرسائل، نشر مولف، قم، الطبع الاول، بی تا.
28.    عراقى، ضياءالدين، منهاج الأصول، نشر دار البلاغة، بيروت، الطبع الاول، 1411 ق.
29.    العمید الزنجانی، عباسعلی، دائرۀ المعارف الفقهیه و الحقوقیه، نشر جامعۀ تهران. مؤسسۀ النشر و الطباعۀ، تهران - ایران، 1389 ه.ش.
30.    الفاروقي، إسماعيل راجي، أسلمۀ المعرفۀ، ترجمة عبد الوارث سعيد، جامعة الكويت، دار البحوث العلمية بالكويت، 1983م، المکتبۀ الشاملۀ
31.    كلينى، محمد بن يعقوب، الكافي (ط - الإسلامية) - تهران، چاپ: چهارم، 1407 ق.
32.    -------  كافي (ط - دار الحديث) - قم، الطبع الاول، ‏ 1429 ق.
33.    الكوه‌كمرى، سيد محمد بن على حجت، كتاب البيع (للكوه‌كمري)، در يك جلد، مؤسسۀ النشر الإسلامی التابعۀ لجماعۀ المدرسین بقم المشرفه،، قم - ايران، دوم، 1409 ه‍ ق.
34.    المازندرانى، علي اكبر السيفى، مباني الفقه الفعال في القواعد الفقهية الأساسية، مؤسسۀ النشر الإسلامی التابعۀ لجماعۀ المدرسین بقم المشرفه،، قم - ايران، الاول، 1425 ه‍ ق.
35.    المازندرانى، محمد صالح بن احمد، شرح الكافي-الأصول و الروضة (للمولى صالح المازندراني)، نشر المکتبة الاسلامیة، تهران، الطبع الاول، 1382 ق.
36.    المشكينى الاردبيلى، على، اصطلاحات الأصول و معظم أبحاثها، نشر الهادی، قم، الطبع السادس 1374 ش.
37.    -------  الفقه المأثور، در يك جلد، نشر الهادي، قم، ايران، الثانی، 1418 ه‍ ق.
38.    المشكينى، ميرزا على، مصطلحات الفقه، جامع فقه اهل البیت2، نرم افزار نور.
39.    المصطفوى، سيد محمد كاظم، مائة قاعدة فقهية، مؤسسۀ النشر الإسلامی التابعۀ لجماعۀ المدرسین بقم المشرفه،، ايران، الرابع، 1421 ه‍ ق.
40.    المطهرى، مرتضی، مجموعه آثار(30 جلدی)، نشر صدرا، الطبع 8، 1372، قم.
41.    المظفر، محمد رضا، أصول الفقه ( طبع انتشارات اسلامى ) - قم، الطبع الخامس، 1430 ق.
42.    المغنيه، محمد جواد، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، نشر دارالعلم للملایین، بيروت، الطبع الاول، 1975 م، 
43.    النائينى، محمد حسين، أجود التقريرات، مطبعة العرفان، قم، الطبع الاول، 1352 ش.

0
Total votes: 0
محمد حسین بهرام
این کاربر درباره خودش چیزی ننوشته است

پیشنهاد ویژه برای مطالعه: