پست مطلب
الدّرس الخارج
ضرورة أم ضرارة؟
محمد حسین بهرام
1401 ش... نمایش بیشترالدّرس الخارج
ضرورة أم ضرارة؟
محمد حسین بهرام
1401 ش
التمهید
الدّرس الخارج هو منهج دراسی او مرحلة دراسیة بحثیة في المعاهد الدينية او الحوزات العلمیّة. يشار إليها کدورة تعلیمیة خاصة فی الحوزات العلمیّة الدینیة الشیعیة وعادة ما يدخل الطلّاب هذه المرحلة بعد أن خاضوا رحلة طويلة في تعلم العلوم الأساسية المختلفة من أدب العربي وقراءة كتب طويلة و تفصیلیة فی علمی الفقه وأصول الفقه و قلیل من المنطق والتفسير والحديث والعقيدة والفلسفة والأخلاق وما إلى ذلك في منهجیة التعلیمیة المألوفة فی الحوزات. و فی الحقیقة الفقه و الأصول من أهم الدّروس هناک بحیث یطلق علی غیرهما الدراسات الجانبية أو الفرعية. و هذان هما اللذان یستغرقان أكبر وقت وأفضل فترة من حياة الطالب، و قد اکتسبا أولوية وأصالة بالنسبة إلی العلوم الأخرى فی تاريخ يمتد لألف عام في سجلّ البحوث التعلیمیة و التربوية، و علی کل من التطاول و الإطناب، تستمر دراستهما فی فترة المسماة بالخارج عدة سنین بعد ان أمضی دراستهما الطلبة فی مراحل دراسیة متقدّمة فی السطوح الأولی و المتوسطة و العلیاء... و مع ذلک ربما توجد في هذه الدّروس و المنهجیة خلل و نواقص لا یمکننا الإنغماض عنها و سنشیر الیها فی المقال و الجهد المتواضع حسب ما رأینا فی کتب الأعلام و وجدنا فی آراء الأفاضل المختصین فی الموضوع. و نسأل الله تعالی أن یهدینا سبیل الرشاد و الکمال بطوله و فضله و هو العزیز المتعال...
المناهج الدراسیة للمدارس الشیعیة:
في منهج الدراسی الإكليريكي للطائفة الشيعية، تدار وتخطط معظم المدارس بشكلها التقليدي و الطالب یتنفس فی اجواء فکریة عتیقة و یعیش عیشة مستبعدة عن القضايا الحالية الساریة و السائرة فی مجتمعه النابعة من واقع حیاته و صلب حاجیاته کل البعد و هم لایزالون یفحصون عن مرجع لضمیر یقرئه فی کتاب ألّف قبل قرون أم یبحثون عن وجوه المحتملة المختلفة المتخیلة فی معنی مفردة و جملة و کثیرا ما یشتغلون بحلّ اسئلة قد أجیب عنها عشر مرات... نعم؛ هناك عدد هائل من الطلّاب المقیمین في الحوزة کل مدى الحياة منشغلین بدراسة وتعلم الفقه و مبادئه و اصوله المتفرعة المتشتة و یفکرون حول المسائل والقضايا الفقهیة الفرعیة التی[بالأسف اکثرها] تم حلها وشرحها وترسيخها عدة مرات على مرّ القرون تبریرا لتشحیذ الأذهان. و یزعمون انهم سعداء بتلك و فرحون بأنهم يحضرون و یشارکون فی الدّروس الخارجیة أو الدّورة الخارجة کما نری. و هذه الدورات لاتقام إلا بتکالیف بالغة و غالیة جدا من وجهتی المادیة و المعنویة معا، و لکن من دون جدوی و لاطائل فیها کما یلیق...
یمکننا إحصائیة بسیطة و ساذجة من الأموال التی تنفد و الأعمار و الأوقات التی تفنی و ما ینتجّ لهم و لنا و للمجتمع؛ هل تتعادلان؟! بما ذا تشعرون لو قیل: یالیت أن یکون الحاصل من هذه الدورات إجازة أو رسالة علمية و دراسة عملية تبلغ مائة صفحة لكل طالب ومشارك في الدّورة خاصة له!
المقالة القصيرة هذه استهدفت استكشاف القضیة اعلاها فی الدّرس الخارج بوصفه المنهج السائد و مشروع عام، کسبب ومصدر لکثیر من المشاكل الموجودة فی المجتمع الشیعی علمیا و عملیا. و سنتذکربعض القضايا ذات الصلة بالموضوع من آراء رجال الدين و المفکرین الأخصائی المعاصرین، مستنداً على الأدلة والوثائق المنصوصة المعتبرة. متأکدا علی أن الکلام لیس افتراضات ذهنیة محضة أو تخرصا فارغة من الحقیقة أو مناقشات خیالیة جدلیة، بل الکل یتمحور حول ما نری و نشاهد و نجرّب من هذه الدّروس التی افصحت عن هویته طوال سنین و قرون عدیدة تتجاوز الف عام علی الأقل فی صعید المجتمع الشیعی. المرجوّ من القارئ العزیز أن یتأمل فی الکلام و یتفکر فی الأقوال و یراجع قلبه لو تردد فی الحکم و یحکم بالحقّ و إن خالف الشهرة و یدع العنصریة و العصبیة و یذکّرنا بما یری من العیوب الموجودة و یهدیها لنا من فضله خیر هدیة من صدیق شفیق...
الكتب الفقهيّة والأصولية
في کل الأنظمة التعلیمیة، يعتبر المعلم والطالب والكتاب کمثلّت أساسی و فلسفة وجودیة له. الكتاب وسيط وجسر للتواصل ونقل المعلومات من المدرّس إلى الطالب وهو من المواد و حاجیات الأولیة و الأصلیة في جميع المدارس والمراكز التعليمية وفروع العلوم المختلفة لایمکن الإستغناء عنه. فتكفی فی بیان أهمية هذه المادة أن الیوم جميع الحكومات لديها وزارة وقسم خاص لكتابة الكتب المدرسية/ الدراسیة و إعدادها و تجميعها، حتی فی التعليم الابتدائي العامة، و لم يتم إعداد كتب خاصة للطلّاب إلا باستشارة الخبراء على مدى فترة من الزمن و ربما یکون الإهتمام فی الأمر اوسع و اکثر و اکبر مما فی المراحل التالیة المختصه و الأخصائیة.
و اما ما نری فی الحوزة فهو عدم إهتمام المعنیین بالشؤون و ترک هذه المادة المهمة الدراسیة. کیف لم نمت من الخجل أننا ندّعی خلفیة تجاوز الف عام فی تعلیم الدین و اصوله و فروعه و ما نحتاج إلیه من معالمه و معارفه و لا یوجد عندنا کتب خاصة للتعلیم فی أی فرع من هذه الفروع؟ کیف نسمّی هذه المؤسسات و المراکز بالحوزة العلمیّة و لماتکتب کتابا علمیا إخصائیا فیها و الطلبة مجبرون علی قرائة مکتوبات الأثریة المورّثة لنا من عهد القجریة و قبلها؟
کم رجلا مِنَ الذین احتازوا مسند الأستاذیة فی الحوزة، یقدر کتابة رسالة موجزة فی ما یدرّس لتلامیذه؟ کم کتابا نعرف فی الفقه و الأصول تؤلّف لغرض دراسیّ یطابق معاییر العلمی العصری فی التعلیم و التعلّم؟ فوالله لایتجاوز ذلک الکتب عدد انملة إحدی الیدین حتی فی الموضوع الدراسی الرئیسی کالفقه ... و هذه مشکلة عظیمة ضخمة جدا قد تولّدت عنها مشاکل ثقیلة ثخینة أخری عظمی لاتوجد فی أی مؤسسة علمیة دون الحوزة العلمیّة حول العالم و منها مشکلة الدّرس الخارج!
نعم تم كتابة وتأليف بعض الكتب المدرسية فی السنوات الأخیرة، لكن الفکرة المسیطرة علی الحوزات کما أشیر لا تزال مليئة بآراءالمتعلة بالقرون الماضیة و النابعة من الآبار الجافة، و معظم الكتب الدراسیة الحالیة الدارجة كتبها علماء من تلک القرون و هذه تعنی أن العلّة ازدادت و الداء أصبح فتاکا، خطرا و مهلکا ...
عادة التّشریح والتّعليق
الکلام لیس فی عدم اکتراث علمائنا بالکتابة و إنما الکلام فی منهج الکتابة و موضوعه. إن النظر في الكتب والمجلات العلميّة وعدد عناوين الآثار المکتوبة في علوم الفقه والقضايا الفقهيّة مقارنة بالعلوم الإسلامية الأخرى یبين أن علماء الشيعة الإماميين قد کتبوا فی مجالات علمیة متکثرة و لهم مصنفات عدیدة حول ای موضوع دینی و لاسیما فی الفقه و اصوله. فقد حاز العلمان الصدارة و السیادة فی الاجواء بالنسبة إلی أي علم آخر نسمّیها بالعلوم الإسلامیة، خاصة الفقه الإسلامی. فإنهم درسوه و صقلوه أکثر و أکثر. فبغض النظر عن العناوين المختلفة للكتب التي كتبت في الفقه مباشرة، إن المکتوبات بعناوین التحشّی و التعليقة على كتاب فقهي مثل شريعة الإسلام للعلامة محقق حالي (ت 676 هـ) تبلغ عددا یتجاوز المائة. طبعا علم الأصول یتمکن بعده الدرجة التالیة أو الثانیة، و هذا یشبه بحرا زاخرا لایعلو إلا سانتیمترا... أليس الأفضل أن تكتب عشرة كتب في أمور مواضيع أخرى بدلاً من مائة كتاب في موضوع واحد و مادة واحدة؟ لماذا لا يتم وصف الأحاديث السبعة عشرة الأخرى بدلاً من إلقاء الاحتمالية الثمانية عشرة في عبارة روایة واحدة مكونة من كلمات اربعة [لَا سَهْوَ فِي سَهْوٍ]؟ و هل الأفضل الرجوع إلى 20 آية من القرآن الكريم وتفسيرها؛ أم القیام بخلق تخرصات خيالية بعيدة عن العقل تجاوز النيّف و عشرون في آية واحدة؟ هذا ما نسمیه بعادة التعلیق و التحشّی علی الکتب و قد شاع عندهم الأمر حتّی صار سنّة متّبعة علمیّة و عملیّة.
الدّور الخارج ام خارج الدّور
يقال أن "الدّور الخارج هو أعلى مستوى من الدورات العلمیّة فی حوزاتنا العلمیّة و یعادل مرحلة الدكتوراة في الجامعات" . یعدّ فیها الطلاب لممارسة الإجتهاد و إستنباط الأحکام. و سمّی بالخارج لأن الدّرس یلقی خارج النّص التعليمي المحدّد کما فی دورات الدّراسیّة المتقدّمة علیه. و لکن الکلام فی أن الدروس الخارج الیوم انسحبت مما أسست علیه للأسف و خلت عما کان لها. فإنها لم تکن مرتکزة علی أی کتاب و نص دراسی خاص و انحرفت تمام الإنحراف عما نشأت من أول یوم. يقول الأستاذ الأبطحي عن الدّروس الخارج و مساقاتها أن محور هذه الدّورة هو الفقه والأصول والمعلم والطالب "يضعان عملهما الأساسي في الفقه والأصول و لا يدرس كتاب خاص بل الموضوع تکون مسألة فقهية أو أصولیة تناقش حولها. الأستاذ یطرح المسألة و یذکر آراء العلماء حولها و یقوم و یحلل الآراء و یفصح عن رأیه فیستدل علیه یردّ ادلة الآخرین و هنا یجیء دور الطلّاب لبیان نقاشاتهم و طرح اسئلتهم فی المسأله بالرد او القبول. و عندما تنتهی الدّورة بلغ الطلّاب درجة الإجتهاد و أصبح صاحب رأی و فکرة فی الفقه و الأصول و له ان یبدی آرائه حول موضوعات الدینیة و یجوز للآخرین اتّباع آرائه و اجتهاداته" أین هذا و ما نشاهد فی الدّرس الخارج یومنا هذا؟ أین نقاش الطلاب و کثیر منهم لایتقنون الأدب العربی، فضلا عن علوم أخری؟ کیف یمکنهم معرفة الکلام و هم لایجیدون فی معرفة المفردة و الکلمة و عبارة النص؟ فلا بدّ أن یقرأوا الکتب مرارا و تکرارا و یبقوا فی وجه التأملات و یلعبوا بالکلمات و یلهوا انفسهم بالإفتراضات و الخیالات...
و لهم تبریرات غیر طیبة ایضا إذ یقولون أن اتخاذ إحدی الکتب مثل کفایة الأصول فی علم اصول الفقه و جواهر الکلام، تحریر الوسیلة و عروة الوثقی فی علم الفقه کنصّ دراسی، انما هو للمحافظة علی نظام البحث و تنسیق الموضوعات لأنه الحال هکذا یختلف کل الإختلاف عما وضع الدّرس لأجله. فإن الدّرس الخارج حالیا لایضاهی الأصل إلا إسما. قال الأستاذ أحمد المبلغي: "الدّرس الخارج جهد مشتمل علی بعد التعليم إضافة إلى بعد البحث. لیس الغرض منه ذکر الأقوال و مراجعة آراء أو الحکایة ونقل نصوص للطالب، بل الغرض الأصلی منه هو تعليم طريقة الإجتهاد، و كيفيّة استخدام المصادر، تبیین الحجج وترتيبها، و كيفيّة التّعامل مع الآراء والأقوال المنوعة و المضادة احیانا بإستخدامها و وضعها في مسار الإستدلال" إلى جانب ذلك، هناک بحث لطیف و دراسة دقيق و جهد بلیغ من قبل الأستاذ و الطالب معا حسب معرفتهما، بحيث يرغب الطالب حقًا في الإجتهاد.
مقارنة الدروة بمعادله الجامعی
عند مقارنة الدّورة الخارج بدورة الدكتوراه في الجامعات ، لا يمكننا تجاهل العديد من الاختلافات الرئيسية:
أولاً، عدد الطلّاب الذين يحضرون الصّف: "أكثر الدّروس ازدحامًا فی خارج الحوزة تقام [في المسجد الأعظم بقم] یشارکه أكثر من 2000 (ألفي) طالب.
ثانيًا کمّیة الدّروس، وفقًا لإحصاءات تم إجرائها عام 1390 ، هناک 186 درس الخارج یقام یومیا فقط في أربعة مراكز حوزویة بقم (المسجد الأعظم ، مدارس الفیضیة/ الدار الشفاء / الجلبایجانی و البروجردي (خان)).
ثالثًا، کیفیة الکتب ا لدراسی، أحدث الكتب المحوریة فی الدّرس الخارج مرت 30 عامًا على وفاة مؤلّفها .
رابعًا: منهج الدّرس و مسار الدراسة و مساقها غير معروف و غیر محدد في هذه الدّورة ، کما لايوجد أی تصنیف و تدریج فیها. والأكثر سخافة أنه "في الدّرس الخارج یساوی من يحضره و یشارکه اول یوم فی عمره مع من يدرسه منذ خمسة عشر عامًا، و يجلسان في الدّرس الواحد مع استاذ واحد و نفس الیوم و الساعة دون فرق" .
خامسًا ، أن "عددًا كبيرًا من طلّاب الحوزة يضطرون لقبوله و مجبرون علی المشارکة فیه، في حين أن لديهم مبررات منوعة کعدم جدواه و انه لاطائل تحته" . و هلمّ جرّا... إذن یمکننا أن نقول ان الأفضل أن نسمّیها دورة خارج الدّراسة لا دورة درس الخارج.
خلفيّة الدّرس الخارج
الدّرس، مع ذلك، ليس قديمًا جدًا من حيث التاريخ، فإنه من ابتداعات عهد الشيخ الأنصاری رحمه الله [أقل من قرنين من الزمان] بل منه نفسه کما يقال أن "التدريس في الخارج بادر به الشريف العلماء (ت 1246 هـ): و "كان أول عالم شيعي يدرس في الخارج شريف العلماء الأمولي المازندراني ، ولم يكن ذلك شائعاً قبله. وكان مصدر هذه الطريقة الشيخ الأعظم الأنصاري صاحب المكاسب (ت 1281 هـ) وسعيد العلماء المازندراني (البابلي ت 1270 هـ). لأن الشيخ و السيّد كانا من طلّابه الجیدین و المتميزين و یکثران من الجدال و النقاش فی درسه. و کان الاستاذ یجیب عن اسئلتهما و هذه المسائل والأجوبة لم تكن من كتاب، و دوام المنهج أدّى إلى اختفاء تدريس الشريف العلماء المعتد به المعتمد على كتاب المعالم تدريجياً، ومنذ ذلك الحين بدأ العلماء بتدريس الدّرس للطلّاب من الخارج وروايته غیر مستند إلی نص و کتاب. و منذ ذلك الحين، في الحوزات الإمامية، و بعد اجتياز المستويات المعروفة بالسطح، درّسهم المجتهدون ما يسمى بالدّرس الخارج. "في الدّرس الخارج ، بالإضافة إلى النّصوص العلميّة، تم استخدام آراء العلماء الآخرين و تحليلها ومراجعتها وانتقادها بشكل مستقل من الخارج ". كما أشار مؤلّف كتاب منهج الإجتهاد إلى هذا الأمر وقال: "شريف العلماء" من تلاميذ سيّد علي وسيّد محمد طباطبائي. شريف العلماء هو أهم وأشهر معلّم و استاذ للشّيخ الأنصاري. يقول البعض أنه لأول مرّة بدأ الدراسة الخارج بهذه الطريقة الحديثة آنذاک. و قبله کانت الأساتذة یدرّسون من أحد الكتب الشهيرة مثل معالم الأصول. لكن بعده اختفت هذه الطريقة في الفصول الدراسی، وبدأ الأساتذة، یدرّسون من دون التقيد و الإکتفاء بنص كتاب معين في سرد المادة. ويقال إن سبب اختياره هذا الأسلوب في التدريس هو كثرة الأسئلة التي يطرحها طلّابه ومنهم الشيخ الأنصاري. تسبّبت الأسئلة المتداولة المتواترة في قضاء الكثير من الوقت في طرح الأسئلة و الإبتعاد عن نص الكتاب. "بمرور الزمن، أدّى ذلك إلى إسقاط الكتاب تمامًا عن رکن التدریس " لكن ما یجب ملاحظته في الدّروس الخارج الحالية، ليس أنها تتمحور حول الطالب وتوجه الأسئلة ، ولا يوجد كتاب للطالب؛ بل المشکلة هي العودة او التراجع إلى منهج یکون المحور فیه الأستاذ و التخلف عما ابتدأ الدّرس علی نسقه و نطاقه من أول الیوم. کلما نشاهد الیوم فی الدورس الخاج ليس السعي لحلّ المشكلة والإجابة على الأسئلة الفقهيّة العلميّة و لا ما ابتلاه الناس من نواح عملیّة...
و إنما کل من هذه الدّروس تزحف علی مسیرة و مسائل کتبها و رتّبها احد من العلماء القادمین و کثیرٌ منها خارجة عن ابتلاء مجتمعنا الحالی و تشبه قسم من الأساطیر الأولین أم تفریعات ذهنیة و افتراضات خیالیة لا تسمن و لا تغنی من جوع. فلو لم یکن الأمر كذلك، لم یکن هناك 20000 عشرون الف سؤال في نظام القضاء في جمهورية إيران الإسلامية، باقیة من دون اجابة؛ حيث تُعقد مئات الدّروس الخارج فی مختلف ضواحی بلادها و نواحی امصارها كل يوم و الله یحکم و هو خیر الحاکمین.
هناک سؤال یطرح نفسه: کم من الطلبة الموجودین و الحضور فی الدرس الخارج یماثل الشیخ الأعظم الأنصاری قدس سره و زمیله سعید العلماء المازندرانی؟ و هل الطالب الذی لایقدر علی قرائة کتاب الشیخ و هو عاجز عن فهم معظم مراداته و مسائله و هو فی اعلی مستوی دراسته؛ و مجبر علی أن تعلمه عند الأستاذ لیعرف أین یرجع الضمیر و کیف یعرب المفردات و یحلل المعقدات؛ تمکّن أن تفهم ماهو خارج الکتاب؟ و هل هو بحاجة إلی درس کهذا مثل الشیخ؟ و الحال أن الدرس الخارج غیر معروف الهویة فی اجواء العلمی اصلا... إضافة إلی أن کثیرا من الأساتذة یعانون من کبر السّن و قلّة العلم، حتی أصبح الدرس سخیفا و سخریا و لایبدو الا عملا جزافا عشوائیا علی العمیاء...
منهجیة الدروس الخارجیة
يقول الأستاذ أحمد المبلغی أنه لا يوجد تعريف معین للدرس الخارج ، وأن هذه الدّورة تضع الطلّاب في جوّ ضبابي حيث الممارسة هي مسألة ذوقیة و مليئة بالغموض من الأقوال والآراء المختلفة و اصبحت مبتذلة جدا. فإنه يعتبر نفس تعدد الأقوال والكتب والشروح والتفاسیر سببًا لانتشار الدّروس الخارج. کما أن السبب الآخر إنشاء رأی جدید و السعی له حیث أن باب الإجتهاد في الفكر الشيعي مفتوح. "لكي تكون خطوة إلى الأمام وتقدم العلم فيما يتعلق بما هو موجود وما هو أبعد من ذلك. فمن وجهة نظره يجب أن يكون الدّرس الخارجي في معنيين مستقلاً عن الأجواء الدراسیة الأخری: "الأول هو عدم قراءة النّص ، والثاني هو أخذ العلم إلى أبعد مما ذهب إليه حتى الآن" . و بحسب قوله ، "في بعض الحالات لا دائما ينتهي الدّرس الخارج بينما في النهاية لا يفهم المعلم نفسه ما هو الموضوع ولا يفهمه الطالب". و من الناحية العمليّة ایضا، فإن الدّروس الخارج ، بدلاً من إنشاء دور و خدمة نافعة، توجب أثرا سلبیا وضررا، وبدلاً من حل أی مشكلة، أصبحت مشكلة في حد ذاتها. "الحقيقة أن الدّرس مفنی الأعمار و مهلک الفرص في حين أنها من أفضل الأوقات للإحساس بالمتعة العلميّة والبحث العلمي ".
فلیست المبالغة و لا الأکذوبة ان یقال أنه فقد المنهج العلمی و الکتب العلمیة الخاصة للدراسة حتی في علمی الفقه والأصول من أهمّ العوامل التي ازدادت ظاهرة التدریس بهذه الطریقة و کثیر من البحوث الهامشیة و غیر الضروری فی دراسة الفقه و الأصول أثّرت علی خارجیة هذه الدّروس بمعناها الحقیقی و أجلستها فی برج عاجی. فالدرس الخارج بحاله هکذا کونه ضُرّا و ضراریا اکثر من کونه ضروریا و مطلوبا له طائل. فرب ثروة عظیمة و میزانیة فخمة ضخمة و تکالیف و نفقات کبیرة یبتلع و تختضم رفاهیة ومالیة بهذا الدرس فضلا عن الخسائر الروحیة و الأخلاقیة و احسن فترة من حیاة الطلبة و أغلا عمره و افضل نشاطاته الجیدة تبطل و تضیع من دون جدوی حقا...
جهود الطلّاب للتعلّم و التدرس
حقيقة الأمر هي أن العمل الجاد لطالب الحوزة في التدريس والتعلم والجهود الحثيثة في الدراسة والقراءة، أكثر بكثير من جهود الطلّاب والمتعلمين الآخرين فی معاهد التعلیمیة الأخری، وفي هذا الصدد، لديهم أيضًا إنجازات. "فالطریقة المسلوکة عندهم متمیزة لعدة عوامل توجب نجاحهم في تلقي الدّرس والتقدم فيه(حسب الظاهر علی الأقل):
الأولی: دراسة متقدّمة ومتعمقة للموضوع وما تسمى بالدراسة التمهيدية. فعندما يدخل الطالب مجلی الدّرس، لیس خالی الذهن عما سیقرأ و سیستمعه عن الأستاذ بل یعرف کثیرا من التفاصيل حول الموضوع، و لیس على المعلم او الأستاذ إلا حل مشاكله المعلومة و الإجابة عن الأسئلة و إشکالیاته.
الثانیة: حريته الكاملة في التعليق على الدّرس ومشاكل دخول الدّرس و النقاش مع الأستاذ ، وهذه المسألة خاصة في الدّرس الخارج لها مثال صحيح وكامل ، وأحيانًا ، يتجادل الطلّاب مع بعضهم البعض في الدّرس وعادة ما تجری هذه المناقشات بصوت عالٍ.
الثالثة: يمكن أن يضاف إلى هذين العاملين وهو تبادل الأفكار أو مناقشة الدّروس و ما یقال لها المباحثة فی مصطلحهم. عادة ما يناقش الطلّاب نفس الدّرس مع بعضهم البعض بعد الدّرس، کی یحلوا مشاكلهم بمساعدة الآخرین ". لا یوجد و لا یعرف مثل هذا الإجتهاد والجهد في طلّاب المعاهد و مراکز التعليمية الأخرى. ولكن لسوء الحظ کثیرا من المآزق و الصعوبات و المشکلات الموجودة فی محتوى الداخلی و منهجیة متبعة المضمونة فی الدرس، هي السبب العمدة و الأصلیة للإعتلال و تعقیم كل هذه الجهود و تخلف الطلبة عن العصر الراهن و التعایش فی القرون الخالیة الأولی...
فإن "الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم، بلّغ الإسلام خلال 23 عامًا و علّم الدین بکل ما فیه من الأصول والعقائد والأخلاق و الفروع و الدقائق لاناس عامیین و عادیین و فهم التلامیذ دروسهم جيدًا. و ما لنا أن نشتغل فی کل العمر بدراسة جزء من الدین الیسیر و البسیط جدا و لکن لا نفهم منه شیئا أخیرا؟ فما الفائدة من کل هذه المصنفات و الدراسات إذن؟ " لما ذا یمتدّ الدرس هکذا؟.
الدرس الخارج تمهید للرئاسة والسلطة
ما قيل عن شريف العلماء والشيخ الأنصاري كان الفلسفة الأساسية لإنشاء أول درس خارج. لكن فيما يتعلق بالدّرس و التعليم المتداول بعد هذه الفترة و سلوک الفقهاء و المدرسین هذا المسلک فلم یکن مبتنیا علی ذلک الأساس أو منبعثا من الحاجة الماسة أم ضرورة علمیة او عرفیة او ثقافیه و نحوها. و الداعی الوحید هو الإستنان بسنة لم تعرف ماهیتة و لم یسئل عن ثمراته. فقد أقبلوا علیه إقبالا لا فکر قبله و قبلوه قبولا لا تقلب بعده...
و ورثناها جیلا بعد جیل و اتفقنا بتحسینها و طفقنا أن نقول: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(الزخرف/23). و اما الحقیقة فی الباب ما قاله الشهيد المطهري قولا رائعا جدًا و جدیرا للتأمل [وإن لم یکن شاملا]: "كما نعلم، مجال التدريس لخارج الفقه والأصول، إنه مجال الرئاسة والسلطة. القيادة والسلطة للطالب تعني الوصول إلى النهاية مرّة واحدة من لا شیء و من الصّفر؛ لأن الطالب لا یعدّ رأسا حتى یصبح مرجعًا ، و قبله ُلا يؤخذ رأيه و معتقده على الإطلاق، وغالبًا ما یقضی حیاته مشحونة بالفقر و الکآبة؛ و لكن بمجرد إرتقائه المرتقی(مرّة واحدة و بغتة) یطاع أوامره ولا يصوت أحد ضده أو خلافه؛ بل الکل مقتد خلفه كما أنه يتمتع بسلطة مالية مطلقة دون أیّ احتساب و إحصاء یتجول کیف یشاء" .
فمنهم المتمحصین و المتعصبین لهذه السیرة و السنة العشوائیة یذکروننا عملهم هذه الأیة القرآنیة المبارکة: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يعْلَمُونَ شَيئًا وَلَا يهْتَدُونَ(المائدة/104). الحقيقة هي أن الدوافع غير الطیبة والأفكار الخاطئة تسببت هذه المشکلة إلى حد كبير، حتی أنه يمكن للعالم أن يتخيل أن تدريس کتب المقدمات لیس إلا وهنا لكرامته و هوانا لشخصیته وأن تدریس المکاسب والخارج مناسبان له و لهما الموضوعیة و القیمة و الضرورة ... کما یقول الأستاذ علی الصّفایی: "إذا كان هدفي هو الإرشاد و التعلیم، إذا ماتت الشهوات ولم يكن هناك عامل من الحشود والتباهي واستقرار الوضع ، فسأقول حتمًا درسًا لا يوجد له أستاذ و احمل عبئًا و ثقلا لا يحمله أحد و لایُعبأ به" .
و یردف قوله: "في الواقع، إذا كان الهدف هو الله و البناء وتطوير الإدراك والوعي، فإن الدّروس الأخرى لا تهمنا إذا كانت "شرح الأمثلة" أو مستوى العالی ک"الکفایة" أو الخارج؛ "لأن هذه الدّروس لا تختلف من حيث الثواب والمكافأة، بل ما هو أثقل على النفس، له أجر أعظم، وما هو الأحمز فله قيمة أعلى عند الله تعالی" .
فإن درس الخارج حاز شهرة تهوی الیها النفوس و یشتهیها الطالبون شوقا و ولها کی یکتسبوا به شیئا و یستروا به عیبا و یشتروا بها ثمنا... یقول الشیخ القرائتي: "لماذا يقولون: أنت لست عالما(ملّا) إذا لم تدرس الخارج؟ فقد حضرت لمدة سنتين أو ثلاث سنوات درس الخارج دون ابتهاج! كانت أسوأ الأیام في حياتي هي تلك السنتين أو الثلاث سنوات عندما لم يكن لدي إيمان ولم يكن لدي الطاقة، لکن لإجبار المدرسة و المجتمع لئلا یقول لی احد: إن قرائتی أمي. "عزیزی! إذا لم تصبح مجتهدًا ، فلا تدرس الخارج ".
مشاكل الدّرس الخارج
1. تعددية جامحة للطلّاب و التلامیذ:
.... "الآن في نظام التعليم العام في العالم ، كلما ارتفعت الدراسات، قل الطلّاب. على سبيل المثال ، قد يكون هناك ثلاثون في دورة البكالوريوس، وعشرة في دورة الدراسات العليا، وأربعة أو خمسة في دورة الدكتوراه. لماذا ا؟ لأن لديهم منطق علمی. يقولون إننا يجب أن نكون قادرين على رعاية هؤلاء الأشخاص الخمسة، لأن في برنامج الدكتوراه، العمل هو عمل بحثي بشكل أساسي، أي أن التعليم يبلغ عشرين بالمائة والبحوث و دراسات الطالب ثمانين بالمائة. يجب على الباحث كتابة عدة مقالات في كل فصل دراسي. لا یکون الفصل الدراسي في مقرر الدكتوراه أربعة عشر أو خمسة عشر أو عشرين ساعة معتمدة ، بل سبعة أو ثمانية اعتمادات ، مما يعني أن كل التركيز و المحوریه علی العمل الباحث فقط لا غیر. منذ البداية، يتم تعيين مشرف لأطروحة الطالب و الإجابة عن المسئلات. المنطق هو أنهم يريدون تدريب الطالب و یسعون فی تربیته مجتهدا اخصائیا.
الآن انظر إلى الحوزة العلمیّة. عدد الطلّاب فی مرحلة البدایة و تعلم الأدب یکون عشرين شخصا ، فی مرحلة دروس الفقه و الأصول یرتقی إلی خمسین و هکذا یتصاعد و یزداد حتی یبلغ فی مرحلة الخارج ألف شخص. لا يوجد أحد يسأل ، ما سبب وجود خمسمائة أو ألف طالب في مرحلة الخارج؟ ما هي الدّورة الخارج حقا و لما ذا؟ و منهج الخطابی فی هذا الدرس من أسوأ مناهج للدراسة و التعلیم. فمن الطبیعی أن بعض هؤلاء الآلاف من الأشخاص لا يعرفون لماذا أتوا و ما ذا اکتسبوا و تعلموا حتی بعد عشرين عامًا. المشكلة الأخری في امتحانات دورة الخارج؛ هناک من یتدرس الخارج بضع سنین و لكنه لا يعرف كيف يقرأ العبارة بشكل صحيح ، لأن أحداً لم يطلب منه ذلك. لقد قام المعلم نفسه دائمًا بالقرائة و تطبیقه مع العبارة و لم يمنح الطالب أي وقت للتفكير على الإطلاق. لذلك الطلبة صاروا عاجزین سامعین لایقدرون علی شیء" .
فإن الحال یذکرنا القرن السادس و ما نقل عن الفخر الرازی أنه یحضر درسه الفا عالم و حین الرحلة یواکبه 300 رجل من الفقهاء و التلامذة تقریبا ملازمی رکبه لیستفیدوا من علمه . و صاحب الکفایة ایضا نقل عنه کذا: "یحضر درسه 1200 طالب و لعلّ قریب من 300 منهم کانوا مجتهدین...
2- التدهور العلمي والتخلف:
يرجع التراجع العلمي و التدهور فی الدراسات إلى حقيقة أن "العديد من الدورات اللامنهجية الحالية أدنى من الدورات السطحية من حيث العمق و التدريس متمحور علی عرض مسائل الافتراضیة والتعقيدات الذهنیة الفارغة في الفقه أو الأصول و الإکثار من بیان الأقوال و الآراء... بل إن بعضها يختلف عن تلك اساسا بشرح أو عرض أحكام فقهية موجودة في الكتب دون أی زیادة ". يرجع التخلف أيضًا إلى حقيقة أنه فی الأغلب لا تنتهی الدّروس و الدراسات الخارجیة إلی نتاج علمي ولا یتکلف الطالب بكتابة رسالة علمية تطبيقية حول موضوع جديد و إن قضوا عشر سنوات من عمرهم فی الدراسة. "لماذا لا تكتبون أطروحة يا سادة؟" ترى طالبًا، أربع سنوات ، خمس سنوات یتدرس فی الجامعة؛ ثم يعطونه موضوعًا؛ يوجّهه المعلم و الطالب يخلق أطروحة و یکتب رسالة علمیة؛ و هذا امر جید جدًا. الآن، إذا تمکّن هؤلاء الطلّاب فی الحوزة العلمیّة، بعد خمس سنوات ، وست سنوات ، وعشر سنوات من الدراسة، و کان فی متناول ایدیهم أستاذ و مرشد و أعطاهم مسألة فقهية و یطلب منهم العمل، سنری إلى أي مدى سيتمّ حل المشكلة بهذه الطريقة؟" .
"ایها الکرام! إلی متی نضغط علی وزارة الإرشاد أن یکتبوا و یدافعوا عن صیتنا و شرفنا؟ و هم یجیبون انهم لایقدرون و یصدقون. لأنهم لیسوا ملتزمین بالأمر و معنیین بالشأن و المطلوب منهم الطلاب و الحوزة العلمیة و علیهم ان یعتنقوا و یهتموا علی الواجب و هناک المرجع و المسئولیة. لو سألناکم عن أهمّ کتاب للعالم الإسلامی الیوم، ما أظن أن یعرفه احد منکم و لعلّی اعرف بعض الشئ احسن منکم و لکن لا أعرف جیدا و الحوزة العلمیة لاتعرف ایضا و هذا نقص کبیر لهم و لیس لی. فعلی الحوزة أن تعی و تنتبه علی خمسین موضوع کتب علینا أولا و تکتب نفسها 120 عنوانا للردّ علیهم ثانیا. من الذی یکفل البحث و الدراسة فی هذه الورطة و العائقة من الحوزویین؟ و هل لهم موظفون للمآزق کهذه؟"
4. التركيز على جزء من العلوم الدينية:
ما نعرف من الحوزة و نظامها الدراسی أنه "برنامج الدراسية و الدورات العلمیّة في الحوزه و الدّرس الخارج خاصة ليس سوى الفقه و الأصول عادة، و [ربما توجد بجانبهما] دراسات وأبحاث خارجة عن البرمجة تتعلق بمجال المعتقدات والأخلاق والتفسير وعلوم القرآن والتاريخ والشعر والأدب ودراسة الأديان ومعرفة الأمور الجدیدة المعاصرة کالقضايا السياسية ، المناظرة ، البلاغة ، الكتابة و اللغات الأجنبية ، علم الاجتماع و ..." . فالأصل القویم فی البرامج هو الفقه و الأصول و القرآن والتفسير و الحديث لم يتمكنوا من أخذ مكانهم الصحيح في أجواء التعلیم الحوزوی بعد و یعدّ دروسا جانبیة لو لم نقلها اجنبیة. و یصح أن یقال أن "فقه الموجود بأسره یقابل الفقه القرآنی، من المکتوب فی الرسالات العملیة إلی الملقی فی دروس الحوزویة[للطلبة من الداخلیة و الخارجیة]"
النظام الدراسی فی حوزة العلمیة
و الآن نشیر بالإختصار إلی النظام الدراسی المتداول فی الحوزة و بعض من الخلل الموجودة هناک نقلا عن العلامة محسن الأمین. فإن کلامه القویم ینطبق حالنا الحوزویین الیوم بالجملة، و یقول فی الحوزة العلمیة أن: "الدروس منظمة تنظيما طبيعيا بحسب الكتب و بحسب السطح و الخارج ففي النحو و الصرف مثلا يبدأ بقراءة كتب مخصوصة و بعد إتمامها ينتقل إلى غيرها و هكذا باقي العلوم و يبدأ بالنحو و الصرف و بعد إكمالها ينتقل إلى البيان و المنطق و بعد اكمالهما ينتقل إلى الأصول و الفقه سطحا و بعد الفراغ منهما ينتقل إلى الأصول و الفقه خارجا.
و هذا ترتيب جيد نافع الا انه[لیس خال من الخلل و الخطل و ضعف و هزال عدیدة منها] (1) تطبيقه راجع إلى الطلبة أنفسهم فمنهم من يوفق إلى تطبيقه تطبيقا تاما فلا يقرأ في كتاب حتى يتم ما قبله و يتقنه و لا في علم حتى يفرغ من الذي قبله و يتقنه و لا يقرأ درس الخارج حتى يفرغ من السطوح و كثير منهم لا يطبق هذا البرنامج فيشرع في الكتاب المتأخر قبل إكمال المتقدم و في درس الخارج قبل إتقان السطوح فلا يستفيد شيئا أو يستفيد فائدة قليلة في مدة طويلة. (2) و هناك خلل آخر يحصل من اختيار الشيوخ فلا يكون الشيخ صالحا لتدريس هذا الفن أو لا يكون صالحا للتدريس أصلا و يغتر به الطلاب لكن هذا قليل و الخلل السابق أكثر منه. و ليس هناك من يجبر على تطبيق هذا البرنامج و لا على اختيار الشيوخ الصالحين للتدريس و لا يمنع شيخ أحدا من درسه ان لم يكن من اهله هذا ان لم يرغبه فيه حبا بتكثير السواد و ليس هناك امتحان ترتب الدروس على حسبه.
(3) و هناك خلل ثالث في الدروس الخارجية و هو ان المتأخرين من أهل عصرنا و ما قاربه اشتغلوا في تحرير محل النزاع فصرفوا في تدريسه شهورا و أياما و في التعريفات فقالوا انها غير جامعة أو غير مانعة فزادوا عليها فجاء الاعتراض من جهات اخرى و أول من انتبه لذلك شيخنا الشيخ ملا كاظم الخراساني فقال في تحرير محل النزاع ان كان النزاع في كذا فالحق كذا و ان كان في كذا فالحق كذا و قال في التعريفات انها لفظية كقول اللغويين سعدانة نبت فلا يلزم كونها جامعة مانعة. (4) و خلل رابع و هو إدخال مسائل الكلام في علم أصول الفقه. (5) و هو التطويل في مسائل من علم الأصول فرضية لا فائدة فيها كدليل الانسداد و تعارض الأحوال و غيرها بل في جميع مسائل الأصول. (6) و هو إهمال علم الحديث و تصحيح الأسانيد و الاكتفاء بتصحيح من سبقهم. (7) و هو عدم إتقان اللغة العربية و معرفة خصوصياتها و دقائقها لا سيما من الأعاجم" .
قد تبیّن مما ذکر أن الدرس الخارج المتداول فی حوزاتنا و فی متناول ایدینا أینما نشاء، لم یبق منه إلّا إسمه و إن إشتهر و لا رسم
خلاصة الدراسة
1. الدّرس الخارج او دورة الخارج، مرحلة تعلیمیة و دراسیة تخصّ بها الحوزات العلمیّة الشیعیة و تعادل مرحلة الدوکتوراة فی الجامعات و نظام الدراسیة العالمیة.
2. إنه منهج دراسی تولد فی زمن الشیخ الأنصاری حینما یتلمذ عند شریف العلماء المازندرانی و کان هو و زمیله سعید العلماء یتساءلان الأستاذ اسئلة کثیرة غیر موجودة فی نص الکتاب الدراسی و هو یجیبهما کذلک و تکرار الأمر أدی إلی منهجیة سمّیت بالدّرس الخارج.
3. مع کلّ تجربة عملیّة و نشاطات علمیة فی الحوزات الشیعیة، لم یتمّ نظام دراسی محدد معتبر علمیا و لایوجد عندهم کتب خاصة للدراسة فی العلوم الإسلامیة إلا ما شذّ و ندر الذی ألف فی العصر الراهن فقط.
4. من سیرة العلماء و سنتهم العلمیّة و العملیّة(فی الجملة) التقلید و تبعیة السلف مائة بالمائة حتی أنهم لا یجترئون بفتح باب جدید فی التعلیم و لا فی الدراسات العلمیّة الأخری. فهم لم یزل یکتبون هوامش و حواشی و شروح و تعلیقات کثیرة علی کتاب واحد و یشتغلون بتفسیر کل حرف من کلماته و عباراته دون ان یفکروا فی تألیف کتاب جدید و حلّ مسألة أو طرح فکرة جدیدة...
5. اکثر الدّروس الخارج التی تقام الیوم، دروس خارجة عن اطار حیاة الإنسانیة المعاصرة و تبحث فیها عن مسائل المختلقة الإفتراضیة المنوعة لاتعلق لها فی واقع الحیة و لاتهمها المجتمع کما انه اکثر من حاجیات المعاصرة مغفولة عنها فی هذه الدّروس تماما ...
6. هناک تراجع هائل و تخلف مدهش فی الدّرس الخارج. فقد أخرج عن مسیرته الأصلیة و صار مرتکزا علی الاستاذ و الکتاب و هو لم یکن کذلک من البدایة ... فنری ان الدّرس ضرار بدلا عن ان یکون ضروریا و مشکلة عظیمة للحوزة العلمیّة بدلا عن أن یحل مشکلة من المشاکل أم یجیب مسألة من المسائل، حتی اصبح مبتذلا و امرا متناقضا جدا. لا أعرف ما هو معنی درس خارج کتاب فلان؟ أ لم یکن الخارج یعنی الخارج عن أی کتاب!
7. إن هذه المنهجیة السقیمة و الدراسات العقیمة أدّت إلی تدهور علمی هامة و عظیمة شاملة کلّ الحوزات العلمیّة و تسببت کثیرا من المشاکل فی العالم الشیعی و ثقافته و سیاسته و کل ما یتعلق بهذه الطائفة..
8. من المشاکل العامة فی الدّروس الخارج ما یلی:
8.1. إزدحام الطلّاب و تکثرهم فی الصّف.
8.2. التدهور العلمی و فقدان نظام دراسی.
8.3. الترکیز علی جزء صغیر من العلوم الشریعة و ترک الأصول و الأساسیات.
اللهم إنا نشکو الیک غفلة علمائنا و قلة فطنائنا و تظاهر الحداثة علینا...
اللهم صل علی محمد و آل محمد و عجل لولیک الفرج و اجعل فرجنا فی فرجه!
یا رب العالمین.
محمد حسین البهرام(الحسنی)
18 شهر صفر المظفر، 1444 من الهجریة القمریة
المصادر(بالفارسیة)
1) قرآن کریم.
2) امین، محسن، أعیان الشیعة، دار التعارف للمطبوعات، بیروت - لبنان، 1403 ه.ق.
3) آقا نجفی قوچانی، سياحت شرق، موسسه چاپ و انتشارات حديث، چاپ دوم، تهران، 1375.
4) پای درس خارج، فصلنامه شهر قانون، شماره سوم، پاییز ۱۳۹۱، ص۲۰.
5) جناتی، محمد ابراهیم، ادوار فقه(جناتی)، صفحه: ۴۷۳، کيهان، تهران - ایران، 1374 ه.ش.
6) جناتی، محمد ابراهيم، تطور اجتهاد در حوزه استنباط، جلد: ۱ ،صفحه: ۲۱۳ ،امير کبير، تهران - ايران، 1386 ه.ش.
7) خامنه ای، سید علی، (07/ 09/ 1368) سخنرانى در ديدار با مجمع نمايندگان طلاب و فضلاى حوزهى علميهى قم، نرم افزار حدیث ولایت.
8) رحيمی، مجتبی، روش شناسی اجتهاد، جلد: 2 ،صفحه: 228 ،دار الفکر، قم - ايران، 1398 ه.ش.
9) رضایی، محمدعلی اصفهانی، شيوههاى تحصيل و تدريس در حوزههاى علميه، مقالات فارسی، ج 37، ص 2، نرم افزار نور(مجموعه آثار دکتر محمد علی رضایی اصفهانی).
10) زمانى قمشهاى، على، هيئت و نجوم اسلامى، موسسه امام صادق عليه السلام - ايران - قم، چاپ: 1، 1387 ه.ش.
11) شيرازی، سيد رضا، ضرورت و ماهيت شناسی درس خارج و تقريرنويسی آن، مصباح الفقاهة، پيش شماره دوم، بهار و تابستان 1397.
12) صفايى حائرى، على، روحانيت و حوزه: مشكالت و راهكارها، ليلة القدر - قم، چاپ: اول، 1391 ه.ش.
13) فقيهی، علی اصغر، تاريخ مذهبی قم، بخش اول از تاريخ جامع قم، صفحه: 205 ،آستانه مقدسه قم، انتشارات زائر، قم - ايران، 1378 ه.ش.
14) قرائتی، محسن، برنامه درسهايى از قرآن سال 87 ،ص 6 ،نرم افزار نور، مجموعه آثار قرائتی.
15) مبغلی، احمد در مصاحبه با ميثم واحدی، طلبه ها درس خارج را نمی شناسند، رهنامه پژوهش، شماره 7، بهار 1390.
16) مطهری، مرتضی، مجموعه آثار(۳۰ جلدی) نشر صدرا، چاپ هشتم، قم.
17) معلمی، حسن، درس خارج بايد طلبه محور باشد نه استاد محور، گفتگو با ميثم واحدی، رهنامه پژوهش، شماره 8 ،تابستان 1390.
18) موحد ابطحی، حجت، آشنائی با حوزه های علمیه شیعه در طول تاریخ، حوزه علميه اصفهان، اصفهان - ایران، 1365 ه.ش.
19) هادی زاده، آسيب شناسی دروس خارج، مصاحبه با امير غلامی، رهنامه پژوهش)معاونت پژوهش حوزه های علميه(، شماره 7.
- گزارش
(1)
Loading...